(ما من يوم أكثر من أن يعتق
الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة).. هذا ما قاله النبي صلى الله عليه
وسلم عن عرفات، اليوم الذي ينتظره كل مسلم كي يغفر الله له ذنوبه ويتقبل
توبته، هو ذلك اليوم الذي يتجمع فيه كافة البشر على حب الله تعالى. فعلى
الرغم من أن ذلك اليوم مهماً في حياة كافة المسلمين، إلا أنه ازداد أهمية
في ذلك العام.
حيث يقف كل مسلم بين أيادي
الرحمن على جبل عرفات داعياً وباكياً، ويختلف الجميع في دعواهم وفقاً
لآمالهم وأحلامهم الدنيوية والدينية، ولكن في هذا العيد نجد سمة اتحاد
وتحالف بين الجميع على دعوة واحدة بجانب دعواهم الأخرى وهي أن ينتقم الله
عز وجل من كل حاكم فاسد أهان شعبه وطغى في الأرض فساداً، وأن ينقذ الله
البلاد العربية مما تمر به من ظروف عصيبة.
ونجد سمة تشابه بين تلك الثورات
الجماهيرية وعيد الأضحى المبارك، فمثلما اجتمع الجميع وخرجوا في المظاهرات
معبرين عن رغبتهم في التغيير، يجتمع أيضاً ملايين من البشر من أجناس ودول
مختلفة في تظاهرة سلمية كبيرة يرتدون بها الثوب الأبيض للتعبير عن رغبتهم
في تغيير أنفسهم وغسل قلوبهم من المعاصي والذنوب التي ملأتها في ظل الظروف
الصعبة التي يعيشون فيها.
وعلينا جميعاً أن نتخذ من هذا
اليوم عبرة وموعظة من المؤكد أنها ستفيدنا في تلك الظروف الحرجة التي تمر
بها الدول العربية الآن. فعندما يذهب الجميع إلى جبل عرفات نجد العديد من
القيم الاجتماعية الجديرة بالاحترام، حيث تتجسد قيم المساواة الإنسانية
ويحرم على أحدهم أي شكل من أشكال العنف سواءً بحق الإنسان أو الحيوان أو
الطبيعة، فيتوسع الجبل حتى تصبح الأرض كلها جبلا كبيرا ينعم فيه الناس
بالأمن والسلام.. وهذا الدرس السنوي المكثف هو نموذج للبشرية حتى نستلهم
منه درس السلام، ونتحد جميعاً لكي تتسع بنا الأرض لأن الاتحاد قوة والفرقة
ضعف.
ويوم عرفات هو أفضل الأيام
وأكثرها بركة، فليس ثمة يوم طلعت فيه الشمس، أو غربت، هو خير من يوم عرفة،
فقد ورد أن صيامه لغير الحاج يكفر ذنوب سنتين، وقد ورد أنه ما رُئي إبليس
في يوم هو أصغر و لا أحقر، ولا أغيظ من عشية يوم عرفة، فهو اليوم الذي
تتزلزل فيه القلوب ويتلهف الجميع لزيارة ذلك المكان الطاهر مرددين (لبيك
اللهم لبيك.. لبيك اللهم لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك).
قصة يوم عرفةعندما بنى سيدنا إبراهيم عليه
السلام الكعبة بأمر من الله تعالى طلب إليه أن يؤذن في الناس بالحج، فكان
على سيدنا إبراهيم النداء، وعلى الله تعالى البلاغ، ونظرا لتفاوت استعداد
المدعوين، واختلاف مساكنهم قربا وبعدا، جعل مدة هذه الزيارة شهرين وعشر
ليال من شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة ليتسنى الحضور في هذه المدة لكل
المدعوين مهما تناءت ديارهم، وبعدت أقطارهم. وأخذ المدعوون يتوافدون، ومن
كل حدب وصوب يتقاطرون وينسلون، حتى تكامل الوفد، وحدد لهم موعدا، وخصص لهم
يوم عرفة ليقفوا جميعاً باكين وخاشعين سائلين متضرعين لله عز وجل.
عرفة في القرآنتنبع أهمية هذا اليوم من خلال
ما ذُكر عنه في القرآن والسنة النبوية، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة،
وأحد أيام الأشهر الحرم، كما أنه أحد أيام أشهر الحج، فضلاً عن أنه من
الأيام العشر التي أقسم الله عز وجل بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها.
حيث قال تعالى: (وَلَيَالٍ
عَشْرٍ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عمل أزكى عند الله- عز
وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل
الله- عز وجل-؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله- عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه
وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).. رواه الدارمي وحسّن إسناده الشيخ محمد
الألباني في كتابه إرواء الغليل.
فضل صيامهلصيام ذلك اليوم فضل كبير عند
الله عز وجل، فهو اليوم الذي ينتظره كل مسلم لكي يكفر عن سيئاته ويُغفر له
ذنوب عامين، فعلى الرغم من الفضل العظيم لصيام الأيام التسعة الأولى من ذي
الحجة إلا أن لصيام يوم عرفة فضلا خاصا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم
عندما سئل عن صيام يوم عرفة: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة).
وهذا لغير الحاج، أما الحاج فلا
يُسَن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف، وقد عظّم الله الدعاء
فيه كما أكثر الله فيه من العتق من النار، فقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة)،
والله سبحانه وتعالى يتباهي بعباده وأهل عرفة أمام أهل السماء، والحج لا
يكتمل دون ذلك اليوم فهو ركن أساسي من أركان الحج، حيث قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (الحج عرفة).