قال الله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:
16].وقال النبي: {عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربه
إلى ربكم، ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم} [رواه الترمذي] وفي فضله
أحاديث كثيرة.
وقال الحسن البصري رحمه الله: (لم أجد من العبادة
شيئًا أشد من الصلاة في جوف الليل)، فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن الناس
وجوهًا؟ فقال: (لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره).
الأسباب
الميسرة لقيام الليل:
اعلم: أن قيام الليل صعب إلا من
وفق للقيام بشروطه الميسرة له. فمن الأسباب ظاهر، ومنها باطن.
فأما
الظاهر:
فأن لا يكثر الأكل، كان بعضهم يقول: (يا
معشر المريدين، لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا فتناموا كثيرًا، فتخسروا
كثيرًا ).
ومنها: أن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال الشاقة.
ومنها:
أن لا يترك القيلولة بالنهار، فإنها تعين على قيام الليل.
ومنها:
أن يتجنب الأوزار.
قال الثوري: (حرمت قيام الليل خمسة أشهر
بذنب أذنبته).
وأما الميسرات الباطنة:
فمنها
سلامة القلب للمسلمين، وخلوه من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا.
ومنها:
خوف غالب يلزم مع قصر الأمل.
ومنها: أن يعرف فضل قيام الليل.
ومن
أشرف البواعث على ذلك الحب لله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى
ربه، وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام.
قال
أبو سليمان رحمه الله: (أهل الليل في ليلهم ألذَ من أهل اللهو في لهوهم،
ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا).
وفي صحيح مسلم عن
النبي: {إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا
أتاه إياه، وذلك كل ليلة}.
وإحياء الليل مراتب:
أحدهما:
أن يحيي الليل كله، روى ذلك عن جماعة من السلف.
الثانية: أن
يقوم نصف الليل، وهو مروى أيضا عن جماعة من السلف وأحسن الطريق في هذا أن
ينام الثلث الأول من الليل، والسدس الأخير منه.
المرتبة
الثالثة: أن يقوم ثلث الليل، فينبغي أن ينام النصف الأول: والسدس الأخير،
وهو قيام داود عليه السلام.
ففي الصحيحين: {أحب الصلاة إلى الله
صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه} [رواه البخاري
ومسلم]، ونوم آخر الليل حسن، لأنه يذهب بآثار النعاس من الوجه بالغداة،
ويقلل صفرته.
المرتبة الرابعة: أن يقوم سدس الليل أو خمسه،
والأفضل من ذلك ما كان في النصف الأخير، وبعضهم يقول: أفضله السدس الأخير.
المرتبة
الخامسة: أن لا يراعي التقدير، فإن مراعاة ذلك صعب.
ثم
فيما يفعله طريقان:
أحدهما: أن يقوم أول الليل إلى
أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام، فإذا غلبه النوم نام، وهذا من أشد
المكابدة، وهو طريق جماعة من السلف.
وفي الصحيحين من حديث أنس
(ما كنا نشاء أن نرى رسول الله مصليًا من الليل إلا رأيناه، وما كنا نشاء
أن نراه نائمًا إلا رأيناه).
وكان عمر يصلي من الليل ما شاء
الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله، فيقول الصلاة الصلاة.
وقال
الضحاك: أدركت أقوامًا يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الضجعة.
الطريق
الثاني: أن ينام أول الليل، فإذا أخذ حظه من النوم، وانتبه، قام الباقي.
قال
سفيان الثوري: إنما هي أول نومة، فإذا انتبهت لم أقلها-يعني لم ينم-
المرتبة
السادسة: أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين، فقد روينا عن النبي أنه
قال: {صلوا من الليل، صلوا أربعًا صلوا ركعتين}.
وفي سنن أبي
داود قال: قال رسول الله: {من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعًا
ركعين، كتبا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات}.
وكان
طلحة بن مصرف يأمر أهله بقيام الليل، ويقول: (صلوا ركعتين، فإن الصلاة في
جوف الليل تحط الأوزار).
فهذه طرق قسمة الليل، فلينحر المريد
لنفسه ما يسهل عليه، فإن صعب القيام عليه في وسط الليل، فلا ينبغي أن يخل
بإحياء ما بين العشاءين وورد السحر، ليكون قائمًا في الطرفين، وهذه مرتبة
سابعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.
الكاتب:
محمد بن صالح العثيمين
المصدر: موقع كلمات