إن من أعظم أسباب الشفاء -شفاء القلوب و الأبدان- إدراك أنه بيد الله وحده، و أن الأخذ بالأسباب إنما هو من بذل ما في وسعنا.
والعجيب أنك تجد أحدهم إذا مرض بدنه، جرى يمينا و يسارا للبحث عن العلاج، وغفل عمن بيده الشفاء.
وأعاهدكم اليوم ألا أقص عليكم إلا ما رأيت بعيني (وإلا فالقصص كثير) لعل القلوب أن تتحرك شوقا لمناجاة ربها الذي بيده مقاليد كل شيء.
القصة الأولى:
أصيب ذلك الفتى في ركبته وسقط عليها سقطة عنيفة، فزاد عليه الألم واشتد، واستمر لفترة طويلة قاربت من شهر، وكان يخاف من إجراء جراحة في ركبته، فهداه الله إلى اللجوء إليه، فتوضأ وأحسن الوضوء وصلى لله ركعتين، وأخذ يتضرع لله ساعة و يبكي و يرجو الله أن يمن عليه بالشفاء، فما أن أنهى دعاءه وبكاءه حتى امتن الله عليه بالشفاء {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
القصة الثانية:
كان قد أصيب بألم شديد في أسنانه، وكان الوقت قد تأخر ليلا فاستشار صديق له يمتهن الطب فنصحه بدواء فلما اشتراه وجد أن من مكوناته مخدر، و لم يكن يعلم الحكم الشرعي للمخدر وكان الوقت قد تأخر على مهاتفة أحد العلماء، فقرر ترك الدواء لأنه علم أن الشفاء بيد رب الأرض والسماوات وما الدواء إلا من الأسباب، ثم فكر فقال: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: 22] فقال: "اللهم إني تركت هذا من أجلك، ولكنني أعلم أنك أنت الشافي، اللهم اشفني شفاءا من عندك، شفاءا لا يغادر سقما أبدا".
يقول فما استيقظت لصلاة الفجر إلا و قد برئت من الألم، و قد كان ذلك الألم يعاودني في كل عام فما عاودني بعد ذلك العام {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
القصة الثالثة:
كانت عينيه متعبة جدا واشتدت عليه الحساسية، وقد كان يحاول منذ أكثر من شهر وقد استعمل كل أنواع الأدوية حتى التي تحتوي على "كورتيزون"، ثم زاد على ذلك فأذنب ذنبا (ما أحلم الله)، و لكن اشتاقت نفسه للتوبة، فقام و توضأ و صلى ركعتين: «إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقلت قلبه، فإن زاد زادت حتى تغلق قلبه، فذلك الران الذي قال الله جل ثناؤه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» (رواه الطبري)، ثم بعد تلك الركعتين أراد أن يدعو الله بالشفاء ولكنه شعر بالحرج لحداثة ذنبه، و إذا به يتذكر أنه يتعامل مع رب العالمين الجواد الكريم، فدعا الله أن يشفيه، ثم نام نصف ساعة للقيلولة، يقول فما استيقظت إلا و قد شفاني الله {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
و أعرف قصة أخرى لرجل كان مريضا أيضا، يقول فدعوت الله في التشهد، فما أن سلمت إلا و أنا معافى {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
و قصة أخرى، و لكن الحديث عن رحمة وقدرة رب العالمين قد لا ينتهي، فما أرحمه وما أحلمه وما أكرمه.
واعلمي يا نفس أن الذي يشفي الأبدان هو الذي يشفي القلوب، و ما كان حديثي عن الأبدان إلا لتعلقك بالأمور الحسية.
أرجو ألا يفهم أحد من هذا أنها دعوة لعدم التداوي، فنحن مأمورون بالتداوي «تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم» (رواه ابن ماجه)، بل إنه في كل تلك القصص (و أشهد الله أني شاهد عليها جميعا) كان العباد يتداوون، ولكن من الذي بيده الشفاء، هذه هي النقطة التي يجب أن ترسخ في أذهاننا.
فإذا أدركت تلك الحقيقة، أكثرت من التضرع بين يدي الله أن يمن عليك بالشفاء و عليك بصلاة الليل وأن تدعو الله وأنت ساجد، فإن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد.
و عليك يا نفس أن تتفقدي قلبك و تتألمي لمرضه و تلحين على الله في الدعاء أن يجعله خالصا له.
ونحن هنا في حلقاتنا سنعرض أمراض القلوب وأدوائها التي إن أعرضنا عنها أخشى أن نكون ممن يعرض الله عنهم، و إن أخذنا بتلك الأسباب فلعل الله أن يمن علينا بالشفاء «إن تصدق الله يصدقك» (رواه الألباني).
و ما زلت أنصح بكتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم ففيه تفصيل للعلل و الأدوية.
جمع وترتيب،
محمد نصر
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام