أسبـآب رفــع البلاء أو التخفيف منــه
ذكر الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم أن المصائب والكربات
التي تصيب المؤمنين من عباده هي من عند أنفسهم
سواء كانت هذه المصائب فردية أو جماعية ،
قال - عز وجل -
{ ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَن كَثِيرٍ }
الشورى : 30
ومن رحمته - سبحانه - أنه جعل هذه الكربات أو البلايا التي يصيب بها عباده المؤمنين
بمثابة الدواء المر الذي يتجرعه المريض ليشفي من مرضه ،
وهذا المرض هو الذنوب التي تتراكم في صحائف أعمال العباد
فتأتي هذه المصائب لتكفر الذنوب ،
ولتنبه ذوي القلوب الحية إلى العودة إلى الله بالتوبة إن أراد الله بها خيراً .
وقد يستطيع المؤمن أن يفعل بعض الأسباب التي يرفع الله بها بلاءً كتبه عليه
أو يخففه عنه بهذه الأسباب ..
ومن هذه الأسباب وأهمها :
(1) التقوى :
ومعنى التقوى كما هو معروف :
هو فعل أوامر الله واجتناب معاصيه الظاهرة والباطنة
ومراقبة الله في السر والعلن في كل عمل .
قال - سبحانه وتعالى - :
{ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }
[الطلاق : 2] .
جاء في تفسير ابن كثير :
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية :
أي ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة . وقال الربيع بن خُثيم :
{ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }
: أي من كل شيء ضاق على الناس .
ويأتي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس
ليوضح نتيجة هذه التقوى أو أثرها في حياة المؤمن
حين قال له صلى الله عليه وسلم:
( يا غلام ، إني معلّمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ،
تعرف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة ) .
الراوي:عبدالله بن عباس المحدث:الترمذي - المصدر:سنن الترمذي-
الصفحة أو الرقم:2516
خلاصة حكم المحدث:صحيح
ومعنى احفظ الله : أي احفظ أوامر الله ونواهيه في نفسك .
ومعنى يحفظك : أي يتولاك ويرعاك ويسددك ويكون لك نصيراً في الدنيا والآخرة .
قال - سبحانه - :
{ أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ }
[يونس : 62] .
(2) أعمال البر (كالإحسان إلى الخلق بجميع صوره)، والدعاء :
ونستدل هنا على ذلك بقصة الثلاثة الذين انسدَّ عليهم الغار بصخرة سقطت من الجبل ،
فقالوا :
[ ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ]
فكلٌّ دعا بصالح عمله فانفرجت الصخرة وخرجوا جميعاً ،
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم .
وقد جاء في الحديث من صحيح الجامع الصغير :
( صدقة السر تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ،
وفعل المعروف يقي مصارع السوء )
وجاء في الدعاء من صحيح الجامع الصغير :
( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) .
فليثق بالله كل مؤمن ومؤمنة لهما عند الله رصيد من أعمال الخير ،
فليثق كل منهما أن الله لن يخذل من يفعل الخير خالصاً
لوجهه الكريم وأنه سيرعاه ويتولاه .
فكما قالت أم المؤمنين أمنا السيدة / خديجة / رضي الله تعالى عنها
- للرسول - صلى الله عليه وسلم -
عندما عاد إليها من غار حراء وهو خائف بعد نزول جبريل - عليه السلام -
مذكِّرة له بسجاياه الطيبة ، وأعماله الكريمة
وأن مَن تكون هذه سجاياه وأعماله فلن يضيعه الله وسيرعاه ويتولاه بحفظه .
قالت له رضي الله عنها:
[ كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك تصل الرحم ، وتصدق الحديث ،
وتحمل الكَلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ].
الراوي:عائشة المحدث:البخاري –
المصدر:صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم:6982-خلاصة حكم المحدث:[صحيح]
ومن أمثلة أثر الدعاء في رفع البلاء قبل وقوعه : قصة قوم يونس .
قال - تعالى - :
{ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ومَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ }
[يونس : 98] .
وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية :
أنه عندما عاين قوم يونس أسباب العذاب الذي أنذرهم به يونس خرجوا
يجأرون إلى الله ويستغيثونه ، ويتضرعون إليه وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم
وسألوا الله أن يرفع عنهم العذاب ؛ فرحمهم الله وكشف عنهم العذاب .
وتحدث ابن قيم الجوزية في كتابه (الجواب الكافي) عن الدعاء قائلاً :
[ والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ، ويمنع نزوله ،
ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ،
وله مع البلاء ثلاث مقامات :
أحدها :
أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني :
أن يكون أضعف من البلاء ، فيقوى عليه البلاء ،
فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً .
الثالث :
أن يتقاوما ويمنع كل واحد منها صاحبه ) .
وقال أيضاً :
( ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الأمة بالله ورسوله ،
وأفقههم في دينهم ، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم ،
وكان عمر - رضي الله عنه - يستنصر به على عدوه وكان يقول للصحابة :
[ لستم تنصرون بكثرة ، وإنما تُنصرون من السماء ] ) .
(3) الإكثار من الاستغفار والذكر :
قال - سبحانه - :
{ ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
[الأنفال : 33] .
وقد كشف الله الغمة عن يونس - عليه السلام -
وهو في بطن الحوت لكثرة تسبيحه واستغفاره ،
قال - سبحانه - في سورة الصافات :
{ فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ وهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ *
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
[ الصافات :142-144]
وكان من استغفاره - عليه السلام - وهو في بطن الحوت قوله :
{ لاَّ إلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }
[الأنبياء : 87]
وقال- صلى الله عليه وسلم - عن هذا الدعاء :
( دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين ، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ).
الراوي:سعد بن أبي وقاص المحدث:الألباني - المصدر:الكلم الطيب-
الصفحة أو الرقم:123- خلاصة حكم المحدث:صحيح
وهكذا سيجد المؤمن والمؤمنة - بإذن الله -
أثراً محسوساً في حياتهما بهذه الأسباب السالفة الذكر
إن فعلاها وبالأخص في وقت الرخاء
" تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة "
وأن يُراعَى فيها إخلاص النية لله ؛ عندئذ تؤتي ثمارها بمشيئة الله
وتكون كالرصيد المالي المدخر الذي تظهر منفعته وقت الحاجة إليه .