الأعشاب الطبية.. بعضها سام
الحبوب والأعشاب التي تباع في الصيدليات لا تكون بالضرورة آمنة
منذ قرابة عشرين عاماً والعالم يعيش ما يشبه طفرة غير عادية مع ازدهار تجارة الأعشاب الطبية التي تغزو الأسواق على أنها عقاقير طبيعية خالية من المركبات الكيماوية الضارة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، أكثر من مائة مليون شخص يتناولون ما يقال انها عقاقير طبيعية ضمن تجارة تقدر بخمسة مليارات دولار سنوياً، إذ يوجد في الأسواق الأميركية في الوقت الحالي أكثر من تسعة وعشرين ألف صنف من هذه المستحضرات يقال إنها تعالج كل الحالات تقريباً من الصداع والرشح حتى التهابات القولون ومن عسر الهضم حتى العجز الجنسي.
حكايات وهمية
إذا كنت ممن يؤمنون بضرورة الاعتماد على هذه النوعية من الفيتامينات أو العقاقير الخالية من المركبات الكيماوية كما يقال، يستحسن أن تعيد النظر في المسألة وتعرف حقيقة ما تحتويه هذه الأصناف ولا تكتفي بالمعلومات المطبوعة على العلبة أو العبوة أو على ما تقوله دعاياتها، فمن السهل جداً فبركة الحكايات الوهمية أو طباعة ما تشاء الشركة المنتجة من أجل الإيقاع بأكبر عدد ممكن من البسطاء والحالمين بعقار خال من المركبات الكيماوية الضارة.
علماء من جامعة «غيولب» في مدينة أونتاريو الكندية أجروا دراسة موسعة على أربعة وأربعين صنفاً من عقاقير وفيتامينات الأعشاب، فتبين أن غالبيتها لا تحتوي على أي من المركبات المطبوعة على عبواتها بل من مركبات لا علاقة لها بالطب من قريب أو من بعيد مثل الرز وزيت الصويا والدقيق.. ليس هذا فقط، فقد تبين أن بعضها يحتوي على أعشاب ومواد سامة أو ضارة للجسم.
مواد ضارة
وفي التفاصيل تبين للعلماء الكنديين أن ثلث الأصناف التي حللوا محتوياتها لا يوجد فيها أي من المركبات الكثيرة المطبوعة على العبوة وأن %59 من هذه الأصناف تحتوي على مركبات ضارة للجسم وأن بعضها يدخل ضمن المواد السامة أو المثيرة للحساسية، في حين أن %16 فقط تحتوي بالفعل على المواد المطبوعة على عبوتها.
البروفيسور ديفيد شاردت خبير علوم التغذية في المركز العلمي التابع للجامعة قال معلقاً على نتائج تحليل الأصناف التي توصف بإنها منتجات طبيعية إنها لم تفاجئه فقد كان يتوقعها.
أضاف أن القوانين المتبعة في الولايات المتحدة وكندا وغالبية الدول الأخرى لا تضع أي شروط على الشركات المنتجة ولا تتحرك السلطات في هذه الدول إلا بعد تلقي ما يكفي من الشكاوى على هذا المنتج أو ذاك فتبدأ تحرياتها بعد أن يكون الضرر قد بلغ مداه، وقد تستغرق تحقيقات السلطات عدة سنوات قبل أن تقرر مصادرة المنتج الضار وحظر إنتاجه. وغالباً ما تعود الشركة فتنتجه وتسوقه تحت اسم جديد.
الأدهى من ذلك أن السلطات في هذه الدول لا تشترط على الشركات المنتجة تقديم أي إثباتات على أن منتجاتها آمنة ولا تسبب الضرر لمن يستخدمها.
وعلى هذا الأساس يجد المنتجون أنسهم أحراراً في طباعة ما يريدون من المعلومات الزائفة على عبواتهم، كما أنهم أحرار في تقديم الوعود الوهمية عن المعجزات التي ستحققها منتجاتهم.
مسألة معقدة
المشكلة الحقيقية تكمن في أن الناس تثق بهذه المنتجات ما دامت معروضة في الصيدليات أو في المحلات الكبيرة المعروفة وبالتالي تعتقد أنها آمنة ولا ضرر منها.
يوضح البروفيسور شاردت أن عمليات ضبط الجودة بالنسبة لهذه النوعية من المنتجات ليست بالأمر السهل، لأن عزل المواد النشطة فيها مسألة غاية في التعقيد، فالنباتات المستخدمة يمكن أن تحتوي على عشرات وربما مئات الملوثات.
يضيف أن دراسة أجريت عام 2010 لأربعين صنفاً من المنتجات التي يقال إنها عقاقير طبيعية أظهرت أن سبعة وثلاثين صنفاً منها تحتوي على مواد ضارة أو سامة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ والمبيدات الحشرية.
ومن المهم جداً الإشارة إلى تحذير شديد الوضوح يطلقه الأطباء والمتخصصون بأن بعض هذه المنتجات تلحق أضراراً كبيرة بالكبد، كما أن غالبيتها يمكن أن تؤثر في فعالية الأدوية التي يصفها الأطباء لمرضاهم وقد تتفاعل مع هذه الأدوية فتعطي نتائج عكسية تماماً.