احفظ الله يحفظك
جهينة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
أما بعد:
عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنت خلف النبي - ص- فقال:
((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))
وفي رواية اخرى: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))
فهذا الحديث وصية الرسول - ص- لابن عمه عبدالله بن عباس، ومن خلاله يوصي الأمة كلها، يقول: (يا غلام احفظ الله بحفظك احفظ الله تجده تجاهك)
كيف حفظ الله عز وجل:
حفظ الله
1: أن تحفظ حدود الله عز وجل
2: أن تحفظ حقوقه،
3: أن تحفظ أوامره ونواهيه،
فالواجب على العبد - عباد الله - أن يحفظ الله عز وجل كما قال جل في علاه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى
4: أن تحافظ على الصلاة، قال تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى
وقال النبي - ص -: ((مَن حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة
ومن حفظ الصلاة :
1: حفظ الطهارة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))
2: : أن يحفظ الرأس وما وعى، وأن يحفظ البطن وما حوى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، وأن تحفظ البطن وما حوى))
فمن حفظ الرأس:
1: أن يحفظ سمعه،
2: أن يحفظ بصره؛ فلا يقع بصره على محرم،
3: أن يحفظ لسانه فلا يتكلم بما لا يعنيه، ولا يقع في الغيبة والنميمة وغير ذلك،
4: أن يحفظ فمه فلا يدخل فيه طعام حرام، يحافظ على سمعه وبصره ولسانه،
وأن يحفظ البطن وما حوى.
من ذلك قول الله عز وجل: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ؛ أي: لا يحلف العبد كثيرًا، وإذا حلف وحنث في حلفه فعليه أن يكفر عن يمينه
اما حفظ البطن وما حوى
.
1: حفظ الفرج، كما قال عز وجل (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة))
وفي رواية الصحيح: ((من ضمن لي ما بين لحييه - أي: لسانه - وما بين رجليه - أي: فرجه - أضمن له الجنة))
فمَن حفظَ الله عز وجل في سمعه وبصره ولسانه وفرجه، وحافظ على حدود الله عز وجل وحافظ على حقوق الله عز وجل وحافظ على أوامر الله عز وجل بأن يؤديها، وحافظ على حدود الله عز وجل فلا يقع فيها - كان جزاؤه من الله عز وجل الحفظ، كما قال الله عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وكما قال عز وجل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ فالجزاء من جنس العمل.
والحفظ من الله عز وجل للعبد يكون على نوعين:
النوع الأول أن يحفظ سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ عليه جوارحه، وأن يُمتِّعه بقوته، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ أولاده، حفظًا في الدنيا - بأن يحفظ الله عز وجل على العبد قوَّته
والنوع الثاني: هو حفظ الإيمان، أن يحفظ على العبد إيمانه؛ فلا يقع في الشهوات ولا في الشبهات، وأن يحول بينه وبين المعصية التي توجب غضب رب الأرض والسماوات.
فمن حافظ على جوارحه من معصية الله ؛ فالله عز وجل يمتعه بسمعه وبصره وقوته.
فالعبد إذا حفظ الله عز وجل؛ حفظه الله عز وجل: حفظ صحته، وحفظ ماله، وحفظ أولاده، كما]. فمن حفظ تقوى الله عز وجل فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقوى الله عز وجل فقد ضيع نفسه، والله عز وجل غني عنه. ((
احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))، وفي رواية اخرى: ((تجده معك).
والمعية من الله عز وجل على نوعين:
1: معية عامة لجميع الخلائق: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)، فالله عز وجل مع جميع الخلق بسمعه وبصره وقدرته وإحاطته؛ فهذه معية عامة لجميع الخلق، تستوجب من العبد الحذر والخوف من الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل، ومراقبة الله عز وجل.
2: والمعية الثانية : هي معية النصرة والتأييد والتوفيق والتسديد، كما قال عز وجل حاكيًا عن نبيه محمد - ص- أنه قال لأبي بكر في رحلة الهجرة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )أي: معنا بسمعه، ومعنا بتوفيقه، ومعنا بتسديده، وكما قال عز وجل لهارون وموسى (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) أي: أسمع ما يُراد بكما، وأرى ما يحاك لكما، وأعلم ما تحتاجان إليه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)
فمن كان مع الله عز وجل بطاعة الله وبتقوى الله، ". كان الله معه، معيته لأنبيائه وأوليائه معية التأييد، ومعية النصرة، ومعية التسديد.
إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ومن سأل الناس تكثرًا - أي: وعنده ما يكفية – فإنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه؛ لأنه أراق ماء وجهه في الدنيا!! فالسؤال لا يكون إلا لله؛ لأن العبد لا يذل نفسه إلا لله عز وجل.! إذا سألت فاسأل الله.. فالسؤال ذل، والسؤال يكون لمن يقدر على جلب جميع المصالح ودفع جميع المضار، وليس هناك أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فإذا سألت فاسأل اللهوإذا استعنت فاستعن بالله.
والاستعانة: هي طلب العون والمساعدة، ولا تجوز الاستعانة في الأمور كلها إلا بالله عز وجل، ويجوز أن تستعين بمخلوق في قضاء حاجة من حوائج الدنيا التي يقدر عليها المخلوق، ولكن لا يجوز أن تستعين بمخلوق في أن يخبرك بمغيب، وفي أن يشفي لك مريضًا، ويرد لك غائبًا، فالاستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
وإن هناك استعانة شركية
الاستعانة الشركية أن تستعين بمخلوق في أن يشفي لك مريضًا، أو يرد لك غائبًا، ،
أما الاستعانة غير شركية: كالاستعانة بالمخلوق في قضاء أمر من أمور الدنيا، أو شراء شيء، أو بيع شيء له أو إجارته إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
وهذا مدار الوصية أن تعلم أن الأمر بيد الله، وأن الملك بيد الله، وأن خزائن السماوات والأرض بيد الله عز وجل، فإذا علمت ذلك، وإذا عرفت ذلك - انقطعت إلى الله عز وجل، وعرفت الله عز وجل،
وأن تعلم أن الله عز وجل هو رب الناس، وهو المتصرف في شؤون الناس كيف يشاء، وأنه مالك الملك عز وجل، وأن مقادير الخلائق بيد الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ.
لو اجتمع الخلق كلهم على أن يجلبوا لك نفعًا لم يقدره لك الله عز وجل - لا يقدرون على ذلك، وإن اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوا عنك نفعًا أراده الله عز وجل بك - لا يقدرون على ذلك (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم!!