لماذا ينام المسنّون ساعات قليلة؟
من المهم أن يحصل المرء في أي عمر كان على قسط كافٍ
من النوم ليلاً. لكن ما هو القسط الكافي بالنسبة إلى من تخطّوا
الخامسة والستين من العمر؟ يقول بعض الباحثين اليوم إن الجواب
قد يكون مطمئناً على نحو مفاجئ. قد يحتاج المسنون
الذين يتمتعون بصحّة جيّدة إلى النوم عدداً أقل من الساعات
مقارنةً بالأصغر منهم سناً للبقاء متيّقظين خلال النهار.
لم تثبت صحة هذه الفكرة بعد، حتّى أن بعض الخبراء يشكّك فيها.
لكن قد يعتبرها كثيرون نبأً ساراً، بما أنه من المسلّم به أن
المسنّين ينامون عادةً ساعات أقل، ويستيقظون مرات كثيرة ليلاً
، ويغطّون دقائق أقل في نوم عميق. لكن هذه المسألة مهمّة
في وقت لا يزال فيه كثيرون من المسنين يعملون في وظائف،
ويقومون بأعمال تطوعية، ويهتمون بالأولاد، ويقودون السيارات.
في هذا الإطار، تقول ليزا شايفز، طبيبة متخصّصة في طب النوم في إيفانستون،
في إيلينوي- أميركا: {لطالما اعتقدنا بأن عادات النوم لا تحتاج إلى التغيير من أوائل سن العشرين وحتى موتنا، على رغم معرفتنا بأن كثيرين من المسنين ينامون مدة أقل}.
يقول ميروسلاو ماكييفيكز، الذي يدير البحوث حول النوم في المعهد الوطني للشيخوخة في بيتيسدا، في ماري لاند إنه وفقاً لذلك الاعتقاد التقليدي، تتراجع غالباً {القدرة على النوم} مع التقدّم في السن، إنما ليس {الحاجة إلى النوم}، أي الكمية التي يحتاجها الناس للشعور بالراحة وأداء أعمالهم على أفضل وجه.
في هذا الإطار، تبحث دراسة نُشرت هذا الشهر في مجلّة Sleep في وجهة النظر تلك. أحضر الباحثون لهذه الدراسة 110 راشدين معافين إلى مختبر للنوم وراقبوا نومهم أثناء الليل. وكما كان متوقعاً، حصل أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً على أطول وأعمق قسط من النوم، وتلاهم من تتراوح أعمارهم بين 40 و55 عاماً. أمّا أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 66 و83 عاماً، فحصلوا على أقل قسط من النوم، أي أقل من الراشدين اليافعين بـ43 دقيقة.
في اليوم التالي، أخضع الباحثون مواضيع البحث لاختبار نوم مشترك. فوضعوهم في غرفة مظلمة، وطلبوا منهم أخذ قيلولة وعدّوا الدقائق إلى أن غفوا. فكانت النتيجة أن العملية استغرقت لدى المسنين أطول وقت. من ثم قاطع الباحثون نوم بعض المشاركين خلال ليلتين. وحين كرّروا الاختبار، لم يعد المسنون بحاجة أكبر إلى النوم مقارنةً باليافعين، لا بل حتّى أقل.
بحسب ما كتب معدّو الدراسة، تشير هذه النتائج مجتمعةً إلى أن المسنين الأصحاء يشعرون أقل بالنعاس خلال النهار من الشبّان المعافين. وفقاً لمعدّي الدراسة الذين أشرف عليهم ديرك جان ديجك من مركز بحوث النوم في سوراي في غيلدفورد، قد ينام المسنون لفترة أقل لأنهم بحاجة أقل إلى النوم. كذلك يشيرون إلى أنهم لم يختبروا مدى نعاسهم مساءً.
بحسب المعدّين، قد تحسّن معرفة أن الغفوات الوجيزة طبيعية نوعية النوم لدى بعض المسنين الذين يمضون ساعات إضافية في السرير عبثاً. لكن الجدال لم ينته. تقول جان دافي، باحثة في مجال النوم في مستشفى at Brigham & Women's Hospital: {لا أوافقهم الرأي لأن المسنين ينامون أقل ويتحمّلون على ما يبدو الاضطرابات في النوم أكثر إلى حدّ أنهم لا يحتاجون إلى قسط كبير من النوم}.
فضلاً عن ذلك، قد لا يغفو المسنون بسهولة عند الطلب للسبب عينه الذي يمنع كثيرين من النوم بشكل صحيح أثناء الليل. تقول دافي: {قد تتعطّل قدرتهم على النوم}. وتضيف: {للنوم أهداف إضافية كثيرة تتخطّى مجرّد القدرة على البقاء في حالة تيقّظ خلال النهار}. برأيها، قد يؤثّر النوم أيضاً على الطاقة، الذاكرة، جهاز المناعة والأيض.
لكن النقطة التي يُجمع عليها الجميع، أنه لا يجدر بالمسنّين الافتراض بأن النعاس خلال النهار ظاهرة طبيعية من مظاهر التقدّم في السن. قد يكون في المقابل مؤشراً إلى تداخل ألم، مرض، آثار جانبية لدواء ما أو اضطراب في عملية النوم، مثل الاختناق، مع النوم، بحسب جيمس كراينسون، اختصاصي في النوم في ميامي. يقول هذا الأخير إن تلك المشاكل قابلة للعلاج.
يضيف كراينسون أنه يساعد أحياناً المسنين الذين تتخذ مشاكلهم في النوم الطابع الاجتماعي أكثر منه الطابع المرضي. ينام هؤلاء عند الساعة الثامنة ويفوّتون النشاطات المسائية أو يستيقظون عند الرابعة صباحاً حين يكون الجميع نياماً. يعلّق: {قد يشعرون بوحدة وعزلة شديدتين}، لكنهم يستطيعون غالباً العودة إلى نمط أكثر مخالطةً للآخرين عبر الحصول على قيلولة في آخر نهاية بعد الظهر وضبط أوقات نومهم تدريجياً.