كثيرا ما يُربى الطفل وفي ذهن الوالدين مخطط خاص موضوع لأجله من قبل وكثيرا ما يكون المخطط متأثر بالنجاح الشخصي أو الفشل الذي أصاب أحد الوالدين أو كليهما قبل الزواج وقدوم المولود الجديد ، فهذا أب يريد ابنه يريد طبيبا بعد أن فشل هو في الوصول إلى هذا النوع من الثقافي والمهني لأسباب مختلفة 0 وبعد أن مر على مشاعر مختلفة ومزعجة بسبب ذلك الفشل 00 وهذا أب آخر يريد من ابنته أن تعمل من أجل التفوق على ابنة فلان في المنافسة داخل المدرسة بعد أن فشل هو من قبل في مثل هذه المنافسة مع أب تلك البنت حين كان وإيّاه سويا في المدرسة 0 وهذه أم تريد أن تكون ابنتها الأولى بين البنات في الصف اجتهادا وأناقة ، ولم يكن لها هي ذلك حين كانت طالبة في المدرسة 0 وهذا أب آخرا يريد أن يصبح ابنه مزارعا ناجحا مثله ، يتابع التراث الذي نشأ عليه هو ، ويعنى بالأرض عنايته هو بها 00 وهناك الكثير من الأباء والأمهات ، وكل منهما يريد من ابنه أن يكون كما يريد هو ، وليس كما يريد الابن أو تريد البنت 0 وبهذه الأشكال يؤدي الضغط على الأبناء إلى الاجهاد أحيانا ليصلوا إلى مستوى طموح الوالدين ، وإلى الشعور بالاحباط أحيانا أخرى 0 وكثيرا ما يصبح الخوف من المنافسة مع الآخرين في المدرسة مصدر نزوع إلى الهرب عن طريق الخداع أو عن طريق أشكال غير مقبولة ومرغوبة من التكيف 0 فإذا عرفنا أن الطفل يعجز غالبا عن الوصول إلى أفضل ما يستطيع الوصول إليه إذا كان يعمل وفق مخطط موضوع له من قبل ، وعرفنا أنه لا يستطيع أن ينمو إلى أفضل درجات نموه إن لم يكن شاعرا بذات وقيمة ذاته وحدودها ، أدركنا كيف تؤدي تربية من هذا النوع أحيانا إلى شقاء الطفل وتأخره بدلا من سعادته وحسن تقدمه 0 وقد لمست مثل هذه الحالات من الطلاب الذين يعملون وفق مخطط الوالدين ، وسعيا وراء تنفيذ طموحهما ، وقد انقلب في النهاية الأمر في غير مصلحة الأبناء ومصلحة الوالدين على السواء واتجه إلى أشكال من الانهيار والثورات العارمة المفاجئة الموجهة نحو الوالدين والدراسة والمجتمع 0 وقد انقطع أولئك الطلاب عن الدراسة ، ومنهم من تأخر في دراسته عدة سنوات ، ومنهم من حالفه النجاح لكن بتقدير غير مرضي 0 كذلك فإن بعض الطلاب وخاصة في المرحلة الثانوية وبعد نجاحه من الصف الأول الثانوي ، يفرض عليه التخصص الذي يلتحق به ، سواء من قبل الوالدين أو المدرسة 0 ونعلم أن الطالب بعد نجاحه من الصف الأول الثانوي ، إما يتجه إلى الأقسام الشرعية والأدبية ، أو إلى الأقسام العلمية والطبيعية 0 وفرصة الالتحاق بالأقسام الشرعية والأدبية أقل من الأقسام العلمية ، والأكثرية يدفعون دفعا إلى الأقسام العلمية ، وبعد ذلك ينجحون بتقدير ونسبة ومجموع لا يؤهلهم للإلتحاق بالجامعات والكليات ، ويفترسهم البقاء في المنازل والتفكير في المستقبل ، دونما يشغلهم في هذه المرحلة العمرية الهامة 0 وأذكر أنني كنت أعمل مرشدا طلابيا في مرحلة ثانوية ، وقد أجبر بعض الطلاب على الدخول في القسم العلمي وهو لا يرغب ذلك ، وكان أحد الطلاب يرغب الدخول في القسم الأدبي من أجل أن يواصل دراسته الجامعية في كلية الأداب قسم الأعلام ، إلا أنه وبعد إجباره على الدخول في القسم العلمي ، أصيب بحالة من الاحباط وتسلل له مرض الربو وتعبت صحته 00 هذا الطالب كان له أصدقاء في بعض الدول العربية يراسلهم ويراسلونه ، تعرف عليهم من خلال المجلات والصحف التي كان يكتب فيها 0 شكى لهم ما يجده من ألآم ومتاعب وربو 00 دلوه على أن يذهب إلى أخصائي نفسي 0 جاء هذا الطالب إلي يوما ، وسألني هل أنت متخصص في علم النفس يا أستاذ ؟ قلت له : نعم ، فقال : أحتاج مساعدتك 0 قلت : وأنا مستعد لمساعدتك ، فما وجدت هنا إلا لمساعدتك ومساعدة كل الطلاب 0 جلس معي وشكى حالته ، وعرفت أن أسباب ما يواجهه من متاعب ، بسبب الاحباط ، وبسب أنه يعتقد أن أمله في أن يحقق أمنيته قد انتهى 0 وضحت وله وشرحت ووجهته وأرشدته ، وبينت له الكثير ما لم يعلمه ، وأعطيته عناوين بعض الجامعات والكليات التي يمكنه مراسلتها ، ومعرفة ما إذا كان يمكنه إكمال دراسته في التخصص الذي يرغبه ويحلم به 00 اتصل وراسل تلك الجامعات والكليات ، وأخبروه أنه بإمكانه مواصلة دراسته في التخصص الذي يرغبه بشرط الحصول على تقدير جيد جدا فما فوق ، ونسبة 85 % فما فوق ، ارتاح الطالب واطمأن ، وعادت له صحته ، وزالت عنه المتاعب والأمراض وما كان يشكوه من ربو 0 وأكمل دراسته ونجح بتقدير جيد جدا ونسبة عالية تؤهله للدخول في تلك التخصصات التي كان يرغبها 0
منقول