السؤال:
مسجد حارتنا ليس فيه مؤذن راتب، فأحيانا لا يؤذن أحد لصلاة الصبح مع أنني مستيقظ لأنني لا أشعر بالخشوع فيه، وأيضا قام رجل بمنعي عن الإمامة لأنني لا أقنت ولا أقول الأذكار الجماعية، ولا أصلي على النبي بعد الأذان جهرا على المذياع، فأضطر للذهاب لمسجد آخر تجنبا لذلك. فما مشروعية هذا؟
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج عليك إن شاء الله في ترك الصلاة في هذا المسجد، إن كنت لا تجد الخشوع فيه، فإن الأصل أن الصلاة في مسجد الحي أفضل إلا إذا عارض الصلاة فيه معارضٌ أرجح كتحصيل الخشوع، فإن ما تعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة مما تعلق بمكانها.
وقد بين العلامة العثيمين هذه المسألة فقال مبيناً الأولى من المساجد بالصلاة فيه فقال: فالحاصل أن الأفضل أن تصلي في مسجد الحي الذي أنت فيه، سواءاً كان أكثر جماعة أو أقل، لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما كان أكثر فهو أحب إلى الله». ثم يليه الأبعد، ثم يليه العتيق، لأن تفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه يحتاج إلى دليل بيِّن. وليس هناك دليل بيّن على هذه المسألة.
مسألة: إذا قال قائل: إذا كان المسجد البعيد أحسن قراءة، ويحصل لي من الخشوع ما لا يحصل لي لو صليت في مسجدي القريب مني، فهل الأفضل أن أذهب إليه وأدع مسجدي أو بالعكس؟ الجواب: الظاهر لي حسب القاعدة أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكانها، ومعلوم أنه إذا كان أخشع، فإن الأفضل أن تذهب إليه، خصوصاً إذا كان إمام مسجدك لا يتأنى في الصلاة أو يلحن كثيراً أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب أن يتحول الإنسان عن مسجده من أجلها. انتهى.
وإذا كان أهل هذا المسجد يمنعونك من الإمامة إلا أن تأتي بهذه الأشياء التي ذكرتها، فلا نرى لك أن تصلي لهم إماما، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولكن عليك بمناصحتهم وأن تبيّن لهم كلام أهل العلم وتذكر لهم أدلة عدم مشروعية بعض هذه الأشياء التي ذكرتها، وعليك أن تذكر لهم أن بعض هذه المسائل مختلف فيها كالقنوت في صلاة الصبح، وبعضها لا نعلم من أهل العلم المعتبرين من قال بمشروعيته بل قد تكاثرت نصوصهم على التحذير منه والنهي عنه وعده من المخالفات كرفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الأذان أو بعده.
ولعلهم أن ينتصحوا إذا بيّنت لهم هذه الأحكام برفق ولين. وليس عليك إثم في ترك أذان الفجر بهذا المسجد وإن كنت مستيقظا، فإنه يكفي في المِصر أذان واحد يُسمِع أهله كما نص على ذلك كثير من العلماء الذين ذهبوا إلى وجوب الأذان.
قال ابن قدامة في المغني: ويكفي في المِصر أذان واحد إذا كان بحيث يُسمِعهم، وقال ابن عقيل: يكفي أذان واحد في المحلة ويجتزئ بقيتهم بالإقامة، وقال أحمد في الذي يصلي في بيته: يجزئه أذان المِصر، وهو قول الأسود، وأبي مجلز، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وعكرمة، وأصحاب الرأي. انتهى.
والله أعلم.
المصدر طريق الاسلام