الأرواح التي يمكن أن نطلق عليها أرواح هائمة هي تلك التي تتجاذبها قوتين، تؤمن بأحداهما وتتأثر بالثانية. تتبنى الأولى وتنصاع للثانية، لو تجسدت المشاعر لأشياء محسوسة لأحترقت قلوبهم بصقيع الألم. يصبحون كإنسان يصرخ بلا صوت، فتتشقق حنجرته وينزف دماً في حين يراه الآخرون من بعيد ويعتقدون أنه سعيد فيلوحون له لأنهم لايسمعونه.
ننتظر المطر ليروي الأرض فتكون العاصفة التي تحرق ماتبقى من الأشجار الجافة، وهكذا تكون حياة تلك الأرواح التي تنتظر الأمل فيكون الموت فيه، النظرة بأمل للأمور تحمل صورة من اثنتين:
- أن تكون نظرة متعة همها التلذذ بما تحصل عليه، فيفاجأها الموت في فرحها. فتصرخ وهي المقبلة على الحياة. وهذه الروح المتخاذلة لاتعنينا.
- وأن تكون نظرة رجاء لتغير واقع، فتكون صدمتها بالموت لاتحمل دمعة ولا انكساراً فلا معنى ولا حرص على الحياة عندها. وهذه هي الروح الهائمة، شامخة حتى في سقوطها.
الأرواح الهائمة هي غريب يفر من مبدأ خجلاً منه وألماً، فيحن إليه ويتألم لفراقه، فتجده يحيا ألمين:
- ألم القرب من الثقل.
- وألم البعد من الشوق.
في المظهر العام قد تكون الروح الهائمة إنساناً متميزاً بكل المقاييس، ولكن نقول عنه لم يجد نفسه، أو نقول لو كنا نعرفه أكثر متذبذب، وهي ليست ضبابية في الرؤيا فلا أحد يدرك نفسه وأهدافه مثله، ولكنه الصراع بين عقل وقلب. فهو يرى في كل شي حوله مايشير لمبدئه فيقرعه سوط الواجب والنصرة، فيهرب من كل شي فيجلده سوط الحنين.
الأرواح الهائمة كقتيل ملقى في صحراء، كان كل مايحتاجه غريب يرافقه في غربته، لكن أحداً من التائهين حوله لم يكلف نفسه السفر، ولم يشد الرحال معه فينقذ نفسه ويحتوي روحاً هائمة.
لا تنتظر من الروح الهائمة أن تخضع، فلا يملكها إلا الحب، ولو عرفت أن موتها في شربة ماء لبادرتها راضية قانعة، فعندها من العلم وفيها من العناد الكثير، ستبتسم حتى وهي تلقى نفسها من قمة جبل لوادٍ مليئ بالصخور، وغاية ماستجده منها ابتسامة ثم تشيح بوجهها لتخفي وتمسح دمعة شوق لرفقاء الطريق.