السؤال:
ما تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد : (إِنَّ اللَّهَ لا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟
الجواب:
الحمد لله
"الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال
حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر ، ومن شر إلى خير ، ومن رخاء إلى شدة
، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإذا كانوا في صلاح واستقامةَ
وغَيّروا غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط ،
والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا ، قال سبحانه : (وَمَا
رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) .
وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ، ثم يؤخذون على غرة ،
كما قال سبحانه : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير ،
نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته ، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم
أشد ، كما قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا
يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصَارُ) والمعنى : أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت ، فيكون ذلك
أعظم في العقوبة وأشد نقمة .
وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصٍ ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون
ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة ، ومن شدة وفقر إلى
رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله
سبحانه وتعالى ، وقد جاء في الآية الأخرى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ
يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير
ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما
تقدم ، والعكس كذلك : إذا كانوا في سوء ومعاص ، أو كفر وضلال ثم تابوا
وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى
الحالة الحسنة ، غَيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام ، وغَيَّر شدتهم إلى نعمة
وعافية ورخاء ، وغَيَّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال
الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/249-251) .