يقول تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا(18). الكهف.
التساؤل الوارد هو كما يلي:
1. هل لهذا الرعب علاقة بشكلهم وهندامهم ونمو شعرهم و أظافرهم ماداموا رقودا غير موتى؟
2. أم هناك رعب من نوع غير معروف أراده الله حفظا لهم؟
3. ألا يكون الرعب الذي يصيب المطلع عليهم ناتجا عن نمو شعر رؤوسهم ولحاهم طيلة مدة نومهم؟
4. ألا نستخلص العبرة في الاعتناء بالهندام والمظهر؟
5. ألا توافقوننا الرأي بان السواد الأعظم من المسلمين يعتبرون من الورع التسيب و إرسال اللحى ؟
من العبر العظمى فى قصة اهل الكهف قضايا عدة ، منها قضية الزمن ، والموت و النوم ، و البعث و النشور، ولكن ما يختص موضوعنا هو تقديس الأولياء الموتى .
ولشرح هذه القضية تخيل أن بعض المسلمين ممن يعبد القبور المقدسة يقف قانتا خاشعا يقرا الفاتحة لصاحب الضريح أو القبر المقدس ، ثم يفاجأ بجثة صاحب القبر المقدس تخرج من القبر و تفتح ذراعيها لصاحبنا لتاخذه بالأحضان ؟
ماذا سيفعل صاحبنا ؟
سيولى منه فرارا و سيمتلىء من ذلك الولى المقدس رعبا .!!
أن من يعبد الأضرحة يتخيل أن آلهته من الأولياء هم أحياء يسمعون له و يستجيبون لدعائه و يمدونه بالمدد ، ولن يستمع اليك مهما ذكّرته بقوله تعالى (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ( فاطر 13 ـ ) وقد جربت بنفسى فى خطبى و ندواتى فى المساجد ـ فى مصر ـ أن أردد كل الايات القرآنية التى تتعرض لتلك الآلهة المقبورة فلم يستمع اليها أحد ، و لكن عندما أحكى قصة أهل الكهف وأطلب منهم أن يتخيلوا صاحب الضريح المقدس قد خرج من قبره ـ فماذا هم فاعلون ؟ عندها كانوا ينتبهون و يتساءلون.
كنت أقول لهم : إن الله جل وعلا قد وصف الفتية من أهل الكهف فقال : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) ( الكهف 13 ) وطالما وصفهم رب العزة بهذا التكريم فهم فعلا من أولياء الله تعالى . ولكنهم لمجرد أن ناموا طيلة هذه المدة فقد صارت هيئتهم مرعبة شأن الجثث الميتة ، بحيث إذا نظر اليهم الناظر ارتعب وولى فرارا. فكيف بهم إذا ماتوا فعلا؟
وبالتالى فان الصالحين فعلا عند الله لن تختلف جثثهم فى الموت عن غيرهم. انهم عند النوم يجرى عليهم ما يجرى على الناس حين يستيقظون ، نفس الحال فى النوم ونفس الحال فى الموت ..
وكنت ـ بالمناسبة ـ أقول لهم ما جاءت به الآية الكريمة من إعجاز علمى .. فلأنهم أحياء ونيام و ليسوا موتى فى الحقيقة فلا بد من تقليب أجسادهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا تتورم أو تبلى .. ومعروف طبيا أنه لا بد من أن يتقلب النائم بنفس الطريقة حفظا لجسده ، وإن عجز المريض عن التقلب فلا بد من وجود أجهزة فى سريره تقلبه يمينا و شمالا لتحافظ على سلامته.
وكنت اقول لهم : إن ما تفعلونه من إقامة المساجد فوق من تعتبرونهم من الصالحين والأولياء إنما هى عادة سيئة سبقكم بها كثيرون ، منهم الملأ أصحاب الجاه فى قصة أهل الكهف الذين أقاموا مسجدا على الكهف الذى مات فيه الفتية الأبرار (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (الكهف 21 )ـ
وسيظل البشر يعبدون القبور بعدكم لأن الشيطان هو الذى يقنعكم بأن رماد الجثة المدفونة قد تحولت الى اله مع الله جل وعلا. ولهذا تتحول عبادتكم الى تقديس لمواد البناء التى يتكون منها القبر المقدس ، فأنتم تتبركون بأحجار و أخشاب وزجاج و قماش وأسمنت ، وربما بمفتاح وقفل للمقصورة أو الضريح مكتوب عليها أنها مصنوعة فى الصين أو تايوان ..!! ولو تخيلتم لحظة أن الولى المقبور سيخرج لكم من القبر لوليتم منه فرارا و لملئتم منه رعبا.
الشيطان هو الذى يتولى خداعكم وإقناعكم أن هناك الاها تحت الرماد يشفع و يمنح و ينفع و يضر . وقد قالها رب العزة يحذر المؤمنين مؤكدا أن تلك الأنصاب أو الأضرحة المنصوبة للعبادة إنما هى رجس ونجاسة من عمل الشيطان ، وأمركم ايها المؤمنون باجتنابها لعلكم تفلحون : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( المائدة 90 )
ولم تفلحوا فى الدنيا لأنكم اطعتم الشيطان و عصيتم الرحمن ـ ولن تفلحوا فى الآخرة إذا لم تتوبوا ، فالله تعالى يعتبر عبادة الأولياء الموتى عبادة للشيطان ، وسيقولها يوم القيامة لكل البشر الخاسرين الذين أضلهم الشيطان جيلا بعد جيل : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) ( يس 60 ـ ) ويومها سيتبرأ منكم الشيطان كما سيتبرأ من أتباعه مخترعى الأحاديث الضالة المضلة التى تغوى الناس بالأمانى ، يقول تعالى عن الصنف الثانى من عبدة الشيطان ، وهم أصحاب الأحاديث الكاذبة أعداء الأنبياء (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (الأنعام 112 ـ )
وأنتم معه فى جهنم سيقول لكم (إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( ابراهيم 22 )