ومما
لا شك فيه أن معظم الحمولة سواء كانت معلقة أو حتى الذائبة، بالإضافة إلى
حمولة القاع، مصيرها أن تستقر على القاع بعملية الترسيب، مكونة الرواسب
المختلفة التي تتماسك بعد ترسيبها، وتتكون الصخور الرسوبية.
وتلك الحمولة المستقرة تتحدث عنها الآية الكريمة (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وتعطي الآية السابقة مدخلاً لدراسة كل من:
أ- رواسب المكث (Placer deposits)(ابتغاء حلية):
توجد علاقة حميمة بين الذهب والصخور النارية. ويتم تركيز الذهب بطريقة
ميكانيكية، فعلى سبيل المثال يقوم نهر النيل بتركيز الذهب الذي تحمله
المياه من جبال الحبشة، وأيضاً تقوم الأودية التي تسيل بالمياه بتركيز
الذهب من المناطق الجبلية التي تخترقها. ويتركز الذهب ومعه كثير من المعادن
الثقيلة ذات الأوزان النوعية العالية مثل الفضة والجارنت والروتيل
والفلورايت وغيرها، حيث تمكث في قاع النهر. ففي الولايات المتحدة الأمريكية
يستخرج الذهب بنسبة 5 ـ 10 من الإنتاج من رواسب المكث.
ب- الرواسب والصخور الرسوبية (Sediments and Sedimentary Rocks)(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
تتكون
الرواسب النوعية مثل رواسب المكث السابقة في قاع النهر أو على شاطئ
البحر. وتكون الرواسب بصفة عامة الأرضية الخصبة في دلتا الأنهار، وقد
تحتوي ثروات الغاز كمصدر مهم من مصادر الطاقة. ويتسع مدلول قوله تعالى :
(ما ينفع الناس) ليشمل رواسب الرمل المستخدمة في صناعة الزجاجيات، ومواد
البناء، وكذا رواسب الطين المستخدمة في صناعة الخزفيات والأسمنت وغيرها،
ويتسع مفهوم المنفعة إلى الرواسب التي تحملها الأنهار إلى قاع البحر.
وهكذا نجد أن الآية تشير إلى علم أساسي من علوم الأرض وهو علم الصخور
الرسوبية.
| اضغط هنا لمشاهدة الصورة بالحجك الطبيعي. |
صورة لمجرى نهر الأمازون الأنهار البديعة والأنهار الأسيرة:
من بديع صنع الله من المحير حقاً أن تشق الأنهار مجاريها ذات الجوانب
الحادة في سلاسل الجبال في تحد عجيب. ولكن لماذا ينحت النهر مجراه في
السلسلة الجبلية فيما حولها؟ حاول العلم الإجابة عن هذا السؤال فأعطى
المداخل التالية:
1. عادة ما ينشأ النهر في الأرض الممهدة ذات الانحدار اللطيف التي تغطي
سلسلة الجبال المدفونة تحت سطحها، أي أنه يركب فوقها. وينحت النهر رواسب
الأرض ويكون أخدوداً في السلسلة الجبلية إنها يد القدرة التي مكنت وأوحت
إلى النهر أن يتحدى الجبال الراسيات. وكثير من السبل في الجبال ما هي إلا
أودية جافة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ
رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [سورة الأنبياء].
2.
يحدث أحياناً أن ينشأ النهر في أرض ممهدة قبل تكون سلسلة الجبال بعدة
ملايين من السنين. وبعد أن تنتصب الجبال يستمر النهر في تحد غريب في تعميق
مجراه قاطعاً السلسلة الجبلية. وتشير الآية القرآنية إلى تلك الحالة إشارة
معجزة: (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا
أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ
حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[سورة
النمل].
تأمل
الترتيب البديع من قرار الأرض إلى خلق الأنهار إلى نشأة الجبال الرواسي
ثم تكوين الحاجز بين البحرين. غور ماء الأنهار في قوله تعالى
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)[سورة
الكهف]. إشارة إلى غور ماء الأنهار، لأنه قد ذكر الله الجنتين، وقد فجر في
الجنتين نهراً.
ومن الظواهر المعروفة تشكلات الكارست، وهي التي تنتج في الأقاليم
المتكونة من الأحجار الجيرية والمواد القابلة للذوبان. ويعرف دارسو علم
الأرض والجغرافيا أن الأنهار قد تختفي إذا انتهت إلى إحدى الحفر الوعائية
(Sinkhole)المتكونة في الحجر الجيري أو في سطح الأرض بصفة عامة.
| اضغط هنا لمشاهدة الصورة بالحجك الطبيعي. |
صورة أحد الحفر الوعائية التي تغور فيها المياه إلى الكهوف الأرضية العميقة