كيف ترسم السلوك في نفس طفلك
<img class="" alt="" style="display:inline" border="0">
تساءل علماء النفس قديمًا: هل من يملك تفكيرًا قيميًّا راقيًا يتصرف سلوكيًّا وفق القيم؟
ووجدوا أن في الأعمار السنية المنخفضة تكون العلاقة بين التفكير القيمي والسلوك القيمي ضعيفة للغاية،
فربما يقع الطفل في مستوى من التفكير القيمي مرتفع،
لكنه لا يستطيع التصرف قيميًّا في مواقف حياته.
ولنعطِ على ذلك مثالًا: ربما يكون أحد الأطفال في مرحلة (ولد متميز أو بنت متميزة)،
وهو مهتم بتقدير والده له، لكنه ما إن يقوم أحد أخواته الصغار بكسر لعبته؛
فإنه لا يتمالك نفسه ويقوم بركله، بالرغم من أن الوالد لا يرضيه هذا الموقف.
لكن علماء النفس وجدوا أن هناك علاقة أكثر ارتباطًا بين التفكير القيمي والسلوك القيمي في الأعمار السنية المرتفعة،
ففي المراحل المرتفعة من مستوياتالتي تحدثنا عنها سابقًا؛
وجدوا أن أصحابها أكثر أداء للسلوكيات القيمية من غيرهم.
والسلوك القيمي السليم ينبع من عدة عناصر رئيسية:
1- التحكم في النفس.
2- القدوات.
3- التربية الاجتماعية.
العنصر الأول: التحكم في النفس:
الحياة مليئة بالإغراءات، والتي قد تسحب الإنسان تجاه التصرف بعكس القيم العليا،
خاصة إذا تصادم الأمر مع رغبات النفس وأهوائها،
فالطفل الذي تربى على التحكم في نفسه وتأجيل إرضاء رغباته؛
يمتلك القدرة على فعل السلوكيات القيمية والالتزام بها في كل الأحوال والمواقف.
أما الطفل الذي ربَّاه والداه على ضعف التحكم في نفسه،
واندفاعية إرضاء رغباته؛
تقل عنده القدرة على الالتزام بالتصرفات والأفعال والسلوكيات القيمية،
لأنه غير قادر على مواجهة نفسه أو الصبر على أهوائها ورغباتها.
وقد قام مجموعة من العلماء،
بعمل دراسة تتعلق بمسألة التحكم في النفس عند الأطفال،
عن طريق تقديم هدية مغلفة لمجموعة من الأطفال وطلبوا منهم ألَّا يلمسوها،
فاختلف رد فعل الأطفال حسب سنهم.
فالأطفال أصحاب الثمانية عشر شهرًا لم يتمالكوا أنفسهم سوى 20 ثانية،
أما الأطفال ذوو الأربعة والعشرين شهرًا فقد تمالكوا أنفسهم حتى 70 ثانية،
بينما قام الأطفال في سن الثلاثين شهرًا بالصبر حتى 100 ثانية قبل أن يلمسوا الهدية،
وهذا يوضح أن التحكم في النفس يزيد عبر العمر.
ولذلك؛ لابد أن تتضمن البرامج التربوية في البيت أو المدرسة ما يُعرف بتمارين التحكم في النفس،
والتي تسهم في تربية الأطفال منذ صغرهم على التحكم في شهواتهم ورغباتهم وتأجيلها عندما يريدون ذلك.
كيف يتطور التحكم في النفس لدى الأطفال؟
قام عالم النفس كوب بوضع نظرية حول تطور التحكم في النفس لدى الأطفال،
وقال بأنه يمر بثلاث مراحل:
1. المرحلة الأولى:
وهي في الفترة ما بين (12 – 18) شهرًا،
وفيها يبدأ الطفل في الوعي بالاحتياجات الاجتماعية وضرورة ضبط تصرفاته وفقًا لهذه الاحتياجات،
وفي هذه المرحلة يظل الطفل متعلقًا بأُمه ـ أو أبيه في حالة غياب الأم ـ
لكي تعرِّف له السلوكيات المقبولة مجتمعيًّا من غير المقبولة، ويستجيب
لإرشاداتها في أغلب الأحيان.
2. وفي المرحلة التي تليها:
يستطيع الطفل الالتزام بإرشادات الأم حتى في غياب الملاحظة والمراقبة،
وقد ثبت أن الذي يساعده على ذلك هو قدرته على التفكير التمثيلي بعقله،
بحيث يتذكر دائمًا القواعد الأسرية التي لا ينبغي له مخالفتها.
3. وفي المرحلة الأخيرة:
ينشأ ما يُسمى بالتنظيم الذاتي،
وهي مرحلة يتكون لدى الطفل فيها استراتيجيات وخطط لتوجيه سلوكه،
وهي التي تساعده على مقاومة الإغراءات وتأجيل إرضاء النفس.
وهذا التقسيم لا يعني أن كل طفل يصل إلى المرحلة الثالثة،
بل هذا يعتمد على البيئة التربوية التي يتربى فيها الطفل؛
فإن كانت هذه البيئة تدعم التحكم في النفس والقدرة على تأجيل إرضاء النفس،
فسيصل الولد إلى قمة هرم التحكم في النفس، أما إن كانت البيئة لا تدعم ذلك؛
فإن قدرة الطفل على التحكم في النفس ستظل ضعيفة.
العوامل المؤثرة على تكون صفة التحكم في النفس لدى الأطفال:
1.طريقة التنشئة التربوية المستخدمة في البيت:
فإن كانت هذه الطريقة تتسم بالاتساق والثبات واستخدام العقوبة بصورة منظمة محكمة،
مع تقديم نموذج محدد سلفًا للتخلص من العقوبة والالتزام بالقواعد؛
فإنها تسهم إلى حدٍّ كبير في زيادة قدرة الأبناء على التحكم في أنفسهم.
2.تقديم السلوكيات البديلة:
فإذا شاهد الأطفال القدوات ـ الذين يعتبرونهم موجهين لهم ـ وهم يقاومون إغراءات التصرفات السلبية المرفوضة،
ثم يقومون بأفعال أخرى مقبولة بديلة مبنية على القيم العليا؛
فإن هذا يساعدهم وبشدة على السلوك القيمي والتحكم في النفس ومحاكاة هؤلاء القدوات،
في مثل هذه المواقف والتصرفات مستقبلًا.
بحث عجيب!
قام بعض العلماء بإجراء بحث على أطفال في الرابعة من عمرهم،
قاموا فيه بتخيير الأطفال بين أخذ هدية صغيرة الآن أو الحصول على هدية أكبر في حال انتظارهم لبعض الوقت،
فانقسم الأطفال بين مجموعة لم تستطع أن تصبر، وقررت أخذ الهدية الصغيرة،
ومجموعة أخرى قررت الصبر لتأخذ الهدية الكبيرة، وبعد عشر سنوات،
قام العلماء بسؤال أولياء أمور هؤلاء الأطفال حول مجموعة من الصفات في أبنائهم.
وثبت من خلال هذه الأسئلة أن المجموعة التي كانت قادرة على تأجيل إرضاء رغبات النفس،
كانت مهاراتهم الاجتماعية أكبر من الآخرين، وكانوا أقل شعورًا بالإحباط والضغوطات،
والتي مكَّنتهم من تحصيل مكانة أكاديمية ومجتمعية أعلى من المجموعة الأخرى.
الخلاصة: أن القدرة الأولية التي تغرس في الأطفال تأجيل إرضاء الرغبات والدوافع؛
كانت من أهم العوامل المحددة لمدى قدرتهم على مواجهة صعوبات الحياة والتنافس فيها.
أمثلة على بعض البرامج التربوية التي تساعد الأطفال على التحكم في النفس:
قام أحد العلماء بوعد الأطفال بجوائز قيمة إذا قاموا بعمل من الأعمال المملة،
وهو إكمال كتابة خطابات في كراسة الواجب،
وجعل هذا العمل أكثر صعوبة بمحاولة تشتيت الأطفال بشاشة تعرض مجموعة من أفلام الكرتون.
ثم قام بتزويد بعض الأطفال بخطط لمقاومة التشتيت، عن طريق أن يحاور نفسه فيقول:
(لا أستطيع مشاهدة هذا الكرتون الآن وأنا أعمل)،
بينما لا يزود الآخرين بهذه الاستراتيجيات الكلامية.
وقد ثبت عمليًّا أن المجموعة التي زُوِّدت بخطط للتحكم في النفس؛
كانوا أقل تشتتًا بأفلام الكرتون المعروضة عن المجموعة الثانية،
التي لم تُزود بمثل هذه الاستراتيجيات.
كيف نساعد أولادنا على زيادة تحكمهم في أنفسهم وفي سلوكياتهم؟
1.غرس حرية تقرير الأهداف والمعايير في أنفسهم:
فقد أثبت العلماء أن الأطفال يكونون في غاية التحفيز تجاه سلوكيات معينة إذا اختاروها بأنفسهم،
بدلًا من أن تكون موضوعة لهم.
ولذلك؛ كلما حرص المربون أن يختاروا مواقف بعينها يستطيع فيها الأولاد أن يحددوا أهدافهم؛
كلما أدى ذلك إلى زيادة قدرتهم على ضبط أنفسهم،
مثل: أن يقوم الأطفال باختيار نوعية المواد التي يريدون مذاكرتها يوم الجمعة،
أو يختاروا الأنشطة التي يريدون ممارستها.
ولذلك؛ لابد أن يقوم المربُّون بتشجيع الأطفال على وضع أهداف طموحة لأنفسهم،
لكن في نفس الوقت واقعية، حتى لا يُحبطوا عند فشلهم في تحقيقها، فإذا ـ لا
قدَّر الله ـ حدث فشل في تحقيق هذه الأهداف التي وضعوها بأنفسهم؛
فإن على المربِّين أن يساعدوهم على إدراك حقيقة هامة،
وهي أنه ليس هناك شخص متميز جدًّا في كل المجالات دون أن يفشل ويحاول ويخطأ،
وأن الفشل والنجاح هي سُنة الحياة، وما على الإنسان إلا أن يحاول ويجتهد.
كما أنه ليس هناك ما يخجل منه؛ فكل العظماء مرُّوا في حياتهم بمواقف فشل كانت صعبة جدًّا،
ولو كانوا وقفوا أمامها؛ ما سمعنا عنهم وما صاروا عظماء.
2.تدريبهم على ملاحظة النفس:
وذلك
بمراقبة سلوك الأطفال ومقارنته بالأهداف التي وُضعت لهم؛ حتى يستطيع
المربِّي تقييمهم لمعرفة الإيجابيات في أدائهم التي تحتاج للتثبيت،
والسلبيات التي تحتاج إلى الإصلاح.
ولأن الأطفال ضعفاء في مجال ملاحظة سلوكياتهم؛ فإن على المربِّين أن يساعدوهم ببعض الاستراتيجيات التي تعينهم على ملاحظة سلوكياتهم،
عن طريق تسجيل السلبي منها على ورقة مثلًا،
أو تحديد ساعة محددة يوميًّا لتقييم السلوكيات التي قاموا بها،
وحبذا لو تم الأمر في البداية بمساعدة أحد المربِّين.
3.تدريبهم على الإرشاد الذاتي:
هناك بعض الأطفال يحتاجون ـ إن صح التعبير ـ لتذكرة قبل الدخول في مواقف بعينها حتى لا يخطئوا في اختيار السلوكيات،
ويستطيع المربون أن يمدوا هؤلاء الأطفال باستراتيجيات التحدث مع النفس؛
فيتكون لديهم ما يُعرف بالإرشاد الذاتي،
حتى يضبطوا ردود أفعالهم وفق السلوكيات المرغوبة.
مثل الطفل الغضوب، والذي سرعان ما يفقد أعصابه،
فيدخل في شجار مع زملائه؛ فهذا الطفل لو مُدَّ بهذه الاستراتيجيات سيكون أقوى في التحكم في نفسه وفي ضبطها عن الغضب.
ماذا بعد الكلام؟
ـ أرشد ابنك وعلمه السلوكيات الصحيحة من الخاطئة فبعض الآباء عندما يخطئ ولده يقوم بزجره عن فعل السلوك، دون أن يوضح له أسباب ذلك،
فهناك (كثير من الآباء والأمهات حين يقصِّرون في تلقين أبنائهم ما ينبغي أن يلقنوهم إياه،
فإذا أخطأ الابن، أو قصَّر في أداء واجب، أقاموا على النكير ووبخوه،
غير مدركين أن الزجر لا ينفع إلا بعد أن نكون قد وضحنا للابن بشكل دائم
وعلى نحو لا لبس فيه الصورة الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها،
فإن الطبيعة تكره الفراغ، وحين نترك عقل الابن وقلبه خاويين،
فإن غيرنا سوف يملؤها، وسوف يتلقى ذلك الطفل بشوق وشغف،
فالطفل أشبه بالكأس فإذا ملأناها بما نريد قطعنا الطريق على ما ل