قد ينحرف سلوك الطفل عن المسار الذي ترغبه الأسرة
وتسعى إلى أن يتّبعه خلال نموّه وفي علاقته بالآخرين. وهنا تبدأ رحلتها
الثانية في محاولة إصلاح هذا السلوك وتقويمه للوصول به الى السلوك المرغوب.
وهذا الأمر يُطلق عليه اصطلاح «تعديل السلوك» وهو علم له قواعد وقوانين
تختلف باختلاف موضوع التعديل والمرحلة العمرية التي يجتازها الطفل وظروف
الأسرة التي يعيش فيها. وقد وضعت الكاتبة داليا الشيمي كتابًا بعنوان «كيف
نغيّر سلوكيات أطفالنا»، صدر عن «الدار العربيّة للعلوم ناشرون».
تعرّف المؤلّفة في الفصل الأوّل مصطلح «السلوك» بحيث يشمل في كتابها نشاط
الإنسان في تفاعله مع البيئة وعناصرها بتعديلها حتى تصبح أكثر ملاءمة له،
أو بالتكيّف معها حتى يحقّق لنفسه أكبر قدر من التوافق معها.
والسلوك بهذا المعنى الشامل يتضمّن ما هو ظاهر ويمكن للآخر إدراكه كتناول
الطعام والشراب والمشي والجري والقفز والاعتداء بالضرب والقيام بالأعمال
والواجبات الحركية المختلفة. ويتضمّن أيضًا ما هو غير مدرك إلا من صاحبه
مثل التفكير الصامت والتخيّل والتذكر والأوهام والمخاوف والآلام والحزن
والسرور والغضب.
وتنتقل إلى شرح السلوك السويّ أو المقبول وهو يتّسم بسمات عدة تشمل ما يلي:
-1 أن يتناسب السلوك مع ما يطلبه المجتمع الذي يعيش فيه الفرد من سلوكيات.
-2 أن يتناسب السلوك مع ما هو متوقّع منه تبعًا لمرحلته العمريّة وما يتيحه
له نضجه، فلكلّ مرحلة سلوكيات مقبولة لكنها غير ذلك في مرحلة عمرية أُخرى.
-3 أن يحقق هذا السلوك الهدف منه فيساعد الكائن الحيّ على إشباع احتياجاته.
-4 ألا يؤثّر هذا السلوك على أشخاص آخرين بطريقة سلبية فيحرمهم من حقوقهم.
وفي حالة ظهور سلوك يخالف هذه القواعد الأربع فإنه يصبح عندها بحاجة إلى
تعديل، ويتمّ ذلك في انتهاج خطوات تشمل فحسب التعبير الإيجابي المقبول الذي
يحدث وفق إرادة الإنسان. ويقوم «تعديل السلوك» أيضًا على مشاركة الفرد من
خلال مهاراته وإمكاناته في تطوير قدراته على إحداث التغيير.
يقول العالم سكينر: «إذا ما أظهر الطفل استجابة أو سلوكًا يرغب في تكراره
وتثبيته، فعلينا أن نظهر له تدعيمًا وتعزيزًا مناسبًا حتى يتعلّم أن هذا
السلوك مرغوب وسيكافأ عنه بصورة إيجابية». ويرى الباحثون أن نظرية سكينر
كانت أشهر النظريات استخدامًا في تعديل السلوك بمراحل الحياة المختلفة
بدايةً من تسعينيات القرن العشرين بحيث أصبحت النظرية الأساسيّة لدى
القائمين على التربية.
وفي تطور جديد على يد العالم باندورا فإنه أكّد دور التعليم الاجتماعي في
إحداث السلوك وكذلك يمكن استخدامه في تعديله. ويقوم هذا المنهج على أن
التعزيز أو العقاب ليسا فحسب الأسلوبين اللذين يمكن اتباعهما في إكساب سلوك
ما أو تعديل سلوك معيّن آخر وتهذيبه. فسلوكيات كثيرة يتعلمها الكائن من
خلال رؤيتها في نموذج ومن ثمّ السعي الى تقليدها في رغبة منه ليتجانس مع
العالم المحيط به.
وأضاف كلاين تعديلاً جديدًا على هذه النظرية فرأى أن السلوك لا يتمّ بصورة
آلية، بل إن الإنسان يقوم بعملية هامة جدًا عند قيامه بسلوك ما تجاه أي
مثير يتعامل معه وهي عملية التفكير ثم الفهم ثم انتقاء الاستجابة المناسبة
له، وهذا ما يميّز السلوك الإنساني.
هذا الظهور للنظريّة المعرفية التي تفيد بأن مخاوف الطفل من بعض الأمور
كالحيوانات أو أنواع الفوبيات إنما تأتي من فكرة خاطئة تتعلّق بقدرة هذه
الحيوانات على إيقاع الأذى به من دون قدرته على مواجهتها وتفادي الضرر الذي
قد تحدثه.
أما أصحاب نظرية العلاج العقلاني الانفعالي فقد أتوا بمفهوم جديد يشير الى
أن كلّ السلوكيات غير المقبولة التي يقوم بها الإنسان ما هي إلا تعلّم خاطئ
ومعتقدات خاطئة، لذلك فإن معالجة السلوك أو محاولة تغييره إنما تقوم على
تغيير تلك المعتقدات والأفكار والمشاعر التي ارتبطت بالسلوك غير المرغوب
وإحلال غيرها في الجهة المرغوبة.
والخلاصة أنّ تعديل السلوك هو تلك الخطوات المنهجية المنظمة التي يتبعها من يقوم به لإحداث تغيير في سلوك ما ويشمل:
-1 إكسابه سلوكًا جديدًا مرغوبًا.
-2 تنمية المهارة لديه بحيث تصبح أكثر ثباتًا وتظهر بصورة تلقائية في المواقف المختلفة.
-3 حذف سلوك غير مرغوب أو إطفاؤه بحيث لا يظهر في أي موقف.
-4 تطوير مهارات الاعتماد على الذات لدى الطفل بحيث يمكنه فهم المواقف والحكم على أفضل الأساليب وأكثرها مناسبة لكل موقف.
-5 تدريب الطفل على التمييز بين المواقف فربما يحدث موقف تدرب على التصرف
فيه بصورة معينة ولكن مع تغير بعض عناصره ينبغي عليه التصرف بطريقة أخرى.
لكلّ مرحلة عمريّة ما يناسبها من التعامل، وما يناسبها من طرق لإكساب
المهارات والقيم والمتطلبات التي يفرضها المجتمع الذي يعيش فيه هذا الطفل.
فبينما نعتمد في مرحلة ما على التعلم بالنموذج التي يعتمد فيها الطفل على
تقليد نموذج أو قدوة، نعتمد في مرحلة أخرى على إكسابه عن طريق التعلُّم
بالمشاركة معنا في الموقف والمشاهدة. لذلك وجب على الأسرة ومن يتعاملون مع
الأطفال ويرغبون في الحكم على سلوكياتهم أن يكونوا ملمّين بمراحل النموّ
وخصائص كلِّ مرحلة تفصيلا لتحقيق النجاح.
وتختم المؤلّفة كتابها بفصل يحتوي على أمثلة ونماذج عملية في كيفية استخدام
منهج تعديل السلوك، وخصوصًا عن نوبات الغضب التي يفتعلها الطفل في أثناء
نموّه.