قد يكون من الصعب التعرف على شخصية النجم السينمائي العالمي انتوني كوين.
نجم لم ينس ماضيه أبداً ..
قسوة الحياة صنعت منه شخصية النادرة في عالم الفن السابع.
ماضي طفولته الشقية، خاصة للذي يحاول معرفة أسرار هذا الطفل الشقي ..
المشرّد من عالمه اليائس الى أحضان الشهرة والإبداع .
ترى، كيف انضوت تلك الطفولة تحت جنح ارادة النجم العالمي الذي يمنح حضوره الفريد رسوخ شخصياته المتعددة في ذاكرة الجماهير.
لقد رسمت خطى كوين الواثقة كنجم ساحر حيوية خارقة أكدت تنوعها نحو التألق في فضاء النجومية ليغدو شخصية متفردة وعميقة في آن.
شخصية عاشت وعاينت قصة التعاسة والشقاء.
بدأت مسيرة أنتوني كوين من ليالي الشظف الحزينة.
ولد في المكسيك من ام مكسيكية وأب ايرلندي.
ترعرع في مناخ قاس، شبّ عنيدا يصارع الحياة بصلابة منذ الثلاثينات.
تنقل من ماسح احذية الى بائع جوال، فموزع صحف، فملاكم هاو.
اكتشف موهبته في التمثيل عقب توجهه الى عاصمة السينما هوليوود.
ووجد السينمائيون في ملامحه وقامته اغراء لأداء شخصيات تجذب الجماهير.
صيف 1936 ظهر في أول ادواره على الشاشة بفيلم "كلمة السر" وبعدها في فيلم "أبطال البراري".
وراحت رحلته تأخذ مسارا متصاعدا ومتنوعا، من خلال اجادته تجسيد شخصيات عكست قدرته وموهبته في اختيار الاعمال الجيدة مع مخرجين متميزين.
وكان صعبا للجماهير نسيان أدواره في أفلام "فيفا زاباتا"، "احدب نوتردام"،
"الممر"، "لورنس العرب"، حلم الملوك"، "زوربا اليوناني"، "الرسالة"، "عمر المختار"، "اوناسيس".
كان مهووسا بأداء الشخصيات التاريخية، ويعشق معايشة شخصياتهم.
عشق كوين مهنته حتى الجنون.
في السبعينات كان يرغب بتجسيد شخصيات همنغواي، بيكاسو، تولستوي، فحياتهم حافلة بالمجد.
لعب كوين شخصية "سنتياغو" في رواية "الشيخ والبحر" لأرنست همنغواي في الثمانينات.
انه الفتى الشجاع الذي استطاع ان يقود نفسه عبر الدروب الشائكة، ويرسم بها مستقبلا رائعا.
والطفولة البائسة علمته الكثير.
الرجل الناجح يقول كوين يخرج من العذابات اما الكسول فهو الذي يمضي بعيدا عن الشقاء.
جمع شتات طفولته الضبابية المجبولة بالشوق والبراءة والحلم في كتاب "الخطيئة الاولى" وترجم الى لغات عدة، وكتاب بعنوان "24 ساعة من حياتي" روى فيه مشواره ورسوماته.
اكمل دراسته الجامعية وحصل على شهادة في الهندسة المعمارية فصمم بنفسه منزله الفاخر في ايطاليا، وصار بيته لوحة متناغمة من التماثيل والزهور والأشجار .
سيناريوهات أحلامه لم تفبرك له البطولات الخارقة بل صنعها تفرّده بالأدوار الصعبة والشخصيات المعقّدة، وذلك العمق الأخّاذ في مقاربة آلام وتمرّد ونبل الشخصيات الحية المتنوعة.
كان انتوني كوين ممثلا يتغلغل في وجداننا ويلتصق بذاكرتنا، مثلما يلتصق بماضي تلك الشخصيات، راسما ملامح حاضرها، ومنابع الحزن والفرح في خارطة حياتها.
رحل عن عمر يناهز السادسة والثمانين في احدى مستشفيات بوسطن.
يبقى أسطورة حية تستحق أن تدرس وتقرأ، ليس لغناها وتنوعها الفنّي، بل لما تتجمله سيرة حياته من مغامرة واصرار وايمان، وبحث لا ينبض.
كان كوين مثالا للنجم الذي تصنعه الحياة.. قبل أن تلمعه أضواء الاستديوهات والكاميرات.
يكفيه بانه أخذ عهدا على نفسه بألا ينسى ماضيه المفروش بالدم والدموع.