سلسلة حقائق قرآنية الجزء 9

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء التاسع

صناعة الحليب .. في بطون الأنعام

عندما يرى الإنسان ظاهرةً كونية فإنه يسارع إلى تفسيرها بما لديه من أدواتٍ علمية ومن معرفةٍ قد تم تحصيلها وكلما تنامت هذه الأدوات وازدادت هذه المعرفة وجد أن ما يعلمه من تفسيرٍ لهذه الظاهرة أو تلك كان علماً قاصراً مع أن آياتها القرآنية تُتلى منذ قرون .
واليوم يجد الإنسان نفسه أمام حقائق عن تشكل اللبن في بطون الأنعام لم يكن ليعلمها لولا التطور العلمي الذي وصل إليه .

( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ) النحل 66

إذا تفكرنا بهذه الآية الكريمة لوجدنا فيها معجزة وآية من آيات الخالق .

الفرث هو محتويات كرش الأنعام .... وقد يحتوي على أنواع من الجراثيم

الجراثيم

- نشرت أول رسومٍ للجراثيم عام 1676 وتم تعريفها على أنها كائناتٌ بدائية النواة لا تحوي غشاءاً نووياً ، ومكونات النواة مبعثرةٌ في الهيولى الخلوية .
- جسمها يتكون فقط من خليةٍ واحدة تقوم بجميع الوظائف الحيوية .
- تنتشر الجراثيم بأنواعها في كل مكان فهي توجد في الهواء والتربة وأمعاء الإنسان والفم وعلى سطح الجلد كما توجد في معدات الحيوانات المجترة .
- ومن الجراثيم ما هو نافعٌ وضروري لإستمرار الحياة عند الإنسان والحيوان والنبات ، ومنها ما هو ضار يجب القضاء عليهِ وتتبعه والتحرز منه .
- البكتريا أحد أنواع الجراثيم وهي متباينة النشاط حيث تقومُ بالمشاركةِ الإيجابية تارةً كعملية تحويل الحليب إلى اللبن الرائب ، والسلبية تارةً أخرى كالتعفن الذي يلحق بالأغذية .

( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ) النحل 66

يستخدم القرآن الكريم عبارة " من بين فرثٍ ودم " .......... والسؤال :

ما هي العملية التي تتم بين الفرث والدم لتنتج لنا هذا الحليب الخالص السائغ ؟؟؟

حين يختار المرء منا شرابه المخصص من الحليب من مراكز التسوق فإنه عادةً يتناوله مغلفاً بأكثر وسائل التغليف حرصاً وصوناً ، محفوظاً في درجات حرارة مبردة على رفوفٍ في غاية الأناقة . وعادة ما تصور لنا الأبقار التي تقدم هذا الحليب وهي في غاية الدلال والترف على مروج الأعشاب الخضراء في أجواءٍ نقيةٍ منعشة . ولكن بالتأكيد سيختلف الأمر عندما نشاهد المعمل الحقيقي الذي تتم فيه عملية تصنيع هذا الحليب في بطون الأنعام .

* * * * * * * * * * * * * * *

التركيب المعقد للفرث

يتألف الفرث داخل كروش الأنعام من :
1- العلف الخشن ذي الألياف المعقدة
2- العلف الناعم الذي يحتوي على البروتين العادي والبروتين البكتيري

البروتين البكتيري : بروتينٌ غير قابلٍ للإمتصاص يحتوي على النتروجين الذي يمكن الإستفادة منه في صنع البروتين العادي ، كما يحتوي هذا البروتين على :
- السكريات سهلة الإمتصاص
- السكريات المعقدة كألياف السيللوز وشبيه السيللوز
- النشاء
- الدهون بأنواعها المستفرة والسكرية والثلاثية
- اللعاب القادم من الفم أثناء المضغ
- العصارة القلوية التي تُفرز داخل الكرش
- ملايين البكتريا والطلائعيات التي تعمل على تخمير هذا الخليط المعقد وتساعد في هضمه وإمتصاص قسمٍ منه .

* * * * * * * * * * * * * * *

من الذي حفظ الحليب الأبيض الصافي في بطون هذه الأنعام وضمن هذا الأتّون الصاخب من الفرث والدم ؟؟؟

سبحان الله وتعالى عما يشركون ...

( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ) النحل 66

تركيب الحليب الصافي في جوف الأنعام

1- سكر الغلوكوز : والذي يساهم بدرجةٍ كبيرة في تكوين الأحماض الدهنية المتطايرة
2- أحماض دهنية متطايرة : وهي الأحماض الأساسية التي تدخل في تركيب الحليب
3- حمض الخل وحمض البروبيوك
4- الغازات : ( كالميتان والأمونيا ) وهي تساهم في تكوين البروتين البكتيري وثاني أكسيد الكربون
5- مجموعة اللاكتات : ولها دورٌ محدودٌ حيث تتكسر في الكبد إلى غلوكوز
6- البروتينات : وهي ذات مصدر علفي أو بكتيري وأحماض أمينية نتجت من هضم الكرش للبروتين
7- الدهون : منها البكتيرية والأحماض الدهنية المشبعة والأحماض الدهنية الحرة ، وتنتج معظم هذه الدهون من هضم الكرش للدهن العلفي .

إن المواد التي سيتكون منها الحليب لاحقاً يتم امتصاصها عبر جدار الأمعاء حيث تدخل المواد الممتصة في الدم البوابي الوارد من الكبد للإجهاز عليها وتكسيرها إلى مركباتٍ بسيطة ثم يقوم القلب بضخها إلى جميع الأنسجة ، والنسيج الذي يهمنا في هذه العملية هو " الضرع مصنع الحليب "

ماذا يحدث داخل الضرع ؟؟؟

- يتزود الضرع بالدم عن طريق شرايين أدق من الأوردة وهذا يؤمن بقاء أكبر كمية من المواد الزلالية ( البروتينية ) داخل الضرع ولوقتٍ أطول ، وهذه البروتينات صعبة التحرك والإنتشار بسبب حجمها الجزيئي الكبير . إن للضرع وريدين ضخمين يجمعان الدم من عدة شعيرات وريدية .
- الضرع عبارة عن نسيجٍ دهني متصلٍ بالجسم ويغلف هذا النسيج مجموعة خلايا غدية تكون مسؤولةً عن إفراز الحليب في الضرع ، حيث يتم تجميعه وحلبه فيما بعد عبر الحلمات .
- إن دم الضرع مختلطٌ بدم الجسم وهنا تكمنُ آيةٌ من آياتِ الخلق حيثُ يكونُ الفصل بين هذه الدماء تماماً كما يكونُ الفصلُ بين البحرين

( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا ) الفرقان 53

* * * * * * * * * * * * * * *

تأثيرات سكر الحليب في الإنسان

يحتوي الحليب على 4.9 % من السكر والذي يسمى اللاكتوز ( أي سكر الحليب أو سكر اللبن ) وهو الذي يعطي الحليب الحلاوة البسيطة التي نستطعمها فيه
أقل حلاوةً من السكر العادي يصنف هذا السكر كيميائياً على أنه سكر ثنائي أي أنه مكونٌ من سكرين أحاديين هما الغلوكوز و الغلاكتوز
يوجد في جسم الإنسان أنزيمٌ خاص بهضم هذا السكر وتحويله إلى سكر أحادي يستفيد منه جسم الإنسان ويسمى هذا الأنزيم اللاكتيز ويتم إنتاج هذا الأنزيم في الأمعاء الدقيقة فإن النتيجة حدوث آلام وأوجاعٍ شديدة

كيف أمكن للحليب الصافي أن يخرج من هذا الجو الصاخب المشحونِ بالأهوال بين الفرثِ والدم .... وحدها إرادة الله التي قضت أن يكونَ فكان

( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
) سورة يس 82-83

* * * * * * * * * * * * * * *

فوائد وعبر

- ما تخرجه لنا الأنعام من لبنها من بين فرثٍ ودم لا تضاهيه الصناعة مهما تطورت تقنياتها
- ليس كل ما يجاور الفاسد فاسد
- البيئة الفاسدة لا تحجب من عنده منفعة

فسبحان الله عما يشركون

* * * * * * * * * * * * * * *

سلسلة حقائق قرآنية الجزء 9 14