أ.د. جابر بن سالم القحطاني
النباتيون هم الذين يمارسون الامتناع عن
أكل اللحوم ومشتقاتها حيث يعتبرون جميع لحوم الحيوانات التي تشمل لحوم
الأسماك والدجاج لحماً يجب تحاشي أكله.
والنباتيون يتجنبون أكل اللحم لأسباب تتعلق
بمعتقدات أخلاقية أو زهدية أو دينية. كما يعتقدون أنه من أفدح الأخطاء
التي يمارسها البشر قتل الحيوانات لأجل لحومها. ونما الاعتقاد عند بعض
النباتيين أن أكل اللحوم غير صحي.
يمتنع كثير من النباتيين عن شرب الحليب وأكل البيض إضافة إلى اللحوم في وجباتهم حيث أن هذه الأطعمة تأتي من الحيوانات.
ينقسم النباتيون إلى ثلاث طوائف على أساس موقفهم من تناول الحليب والبيض في وجباتهم.
يطلق على هذه الطائفة اسم «نباتيو الحليب
والبيض»، وهؤلاء يتناولون الحليب والبيض والأطعمة المصنعة منها في
وجباتهم. أما الطائفة الثانية فهي طائفة «نباتيو الحليب»، وهؤلاء لا
يتناولون البيض ولا مشتقاته في وجباتهم ولكنهم يشربون الحليب ويأكلون
مشتقاته من الزبدة والجبن وخلاف ذلك. أما الطائفة الثالثة فهي طائفة
«النباتيون الحقيقيون» حيث تمتنع هذه الطائفة عن تناول الحليب والبيض
ومشتقاتهما.
يتعين على كل النباتيين أن يعدوا وجباتهم
بعناية فائقة لكي يتسنى لهم الحصول على البروتين أو على بعض المواد
المغذية الأخرى التي تحتاج إليها أجسامهم والمتوافرة بشكل أساسي في
اللحوم. والواقع أن معظم نباتيي الحليب والبيض ونباتيي الحليب فقط يمكنهم
إعداد وجبة مغذية بسهولة لأن الحليب والبيض مصدران جيدان للبروتينات عالية
النوعية. فالحليب يزود الجسم بكميات كبيرة من الكالسيوم الذي يساعد على
تقوية العظام ويحتوي كل من الحليب والبيض على فيتامين « ب12″ الذي يشارك
في تكوين كريات الدم الحمراء، ويساعد الأعصاب في أداء وظائفها.
النظام الغذائي القائم أساساً على النباتات قليل الدهون
ويتعين على النباتيين الحقيقيين أن
يعدوا وجباتهم بطريقة أكثر إتقاناً، وذلك لعدم احتواء أي فاكهة أو خضروات
أو حبوب بمفردها على البروتين المتكامل الموجود في اللحوم والحليب والبيض.
وتحتوي الفاصوليا والبازلاء والجوز وكثير من أطعمة النباتيين الأخرى على
كميات كبيرة من البروتين. ولكي تمد هذه الأطعمة الجسم بالبروتين المتكامل
يجب أن تتناول هذه الأطعمة بطرق معينة. على سبيل المثال عندما يتناول
النباتي الحقيقي الفاصوليا والأرز في وجبته يحصل جسمه على البروتين
المتكامل ولكن تناول كل منهما بمفرده لا يكفل البروتين المتكامل لجسمه.
وللحصول على الكالسيوم يتم على النباتيين الحقيقيين تناول بذور السمسم أو
نوع من الخضروات دائمة الخضرة مثل البروكلي وهو ضرب من أنواع الملفوف أو
السبانخ. يتناول معظم النباتيين الحقيقيين أقراص فيتامين ب12 للحصول على
الكميات الضرورية من هذا الغذاء.
يستهلك النباتيون كميات أقل من الدهون
المركزة وكميات أصغر من مادة الكوليسترول مقارنة بما يستهلكه أكلة اللحوم،
حيث يؤدي هذا المستوى العالي المتدني من الدهون المركزة والكوليسترول إلى
انخفاض نسبة الكوليسترول في الدم. وأظهرت نتائج البحوث الطبية أن ارتفاع
نسبة الكوليسترول في الدم يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب. كما دلت بعض
الدراسات على أن النباتيين أكثر عافية ويعيشون مدة أطول بإذن الله عن غير
النباتيين.
إن النظام الغذائي القائم أساساً على
النباتات قليل الدهون وعالي الألياف والفيتامينات المضادة للأكسدة ومجموعة
أخرى من الكيماويات الوقائية الفعالة، والذي يعد الوصفة السحرية للتمتع
بعمر مديد خال من الأمراض، كما تقول « فرجينيا ميسينا » خبيرة التغذية
المعتمدة في « بورت تاونسند » بواشنطن واحد مؤلفي كتاب « The vegetarian
way
منذ ما يقرب من 40 سنة قدمت دراسة
أجريت على 27.520 شخصاً نباتياً الدليل العلمي على وجود علاقة بين الأطعمة
النباتية والصحة الأفضل: فقد اندهش الباحثون حين وجدوا أنه من بين هؤلاء
النباتيين انخفض معدل الموت جراء الإصابة بالسرطان 50 إلى 75% أكثر من
الأمريكيين الآخرين.
ومنذ ذلك الحين تؤكد الدراسات تلو الأخرى
أن الأشخاص الذين لا يتناولون اللحوم أو القليل منها لديهم معدلات إصابة
أقل بأمراض القلب والداء السكري والحصوات المرارية. كما أن النباتيين أقل
عرضة لزيادة الوزن عن آكلي اللحوم. علاوة على ذلك، فإنهم أقل إصابة
بارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية.
في الصين على سبيل المثال حيث يتناول الناس
لحوماً أقل أو لا يتناولونها على الإطلاق تقل الإصابة بأمراض مثل أمراض
القلب وسرطان الثدي والداء السكري كثيراً عن نظيرتها في الولايات المتحدة
الأمريكية.
في إحدى الدراسات، طلب الباحثون من 500 شخص
اتباع نظام غذائي نباتي. وبعد 12 يوماً، انخفضت لديهم معدلات الكوليسترول
بنسبة 11%. وليس فقط عدم احتواء الأطعمة النباتية للدهون المشبعة هو الذي
يجعلها مفيدة للصحة هكذا حيث يرجع جزء من فائدتها إلى محتواها من الدهون
« النافعة ». فقد أثبتت الأبحاث مثلاً أن كلاً من الدهون الأحادية
والمتعددة غير المشبعة التي توجد في زيت الزيتون والمكسرات والبذور
والعديد من الأطعمة النباتية الأخرى، تخفض معدلات الكوليسترول حين يتم
تناولها لتحل محل الدهون الحيوانية المشبعة في النظام الغذائي.
إن معظم الأطعمة النباتية تزخر بمضادات
الأكسدة مثل البيتاكاروتين وفيتاميني ج، ه والتي تعد ضرورية لحماية الجسم
من الأمراض. علاوة على ذلك، فإن العديد من الأطعمة النباتية تحتوي على
الكثير من العناصر الغذائية، وهي عبارة عن مركبات طبيعية يبدو أنها تخفض
خطر الإصابة بالمياه البيضاء وأمراض القلب والسرطان والعديد من الحالات
الخطيرة الأخرى.
في إحدى الدراسات على سبيل المثال وجد
الباحثون أن الأشخاص الذين تناولوا أكبر الكميات من الجزرانيات وهي صبغات
نباتية توجد في السبانخ والكرنب ومجموعة متنوعة من الخضروات والفواكه ذات
اللون البرتقالي مثل المنقا والبابايا والخوخ والمشمش والجوافة والأناناس
والبرتقال والجريب فروت (ليمون الجنة) واليوسفي والنارنج والليمون وخلاف
ذلك. انخفض لديهم خطر الإصابة بضمور البقعة الشبكية وهو السبب الرئيسي
للإصابة بفقدان الرؤية لدى كبار السن عن نظرائهم ممن تناولوا أقل الكميات.
والأطعمة النباتية ستظل متربعة على القمة
من حيث الفائدة بسبب الكمية الكبيرة التي تحويها من الألياف. إن الأمريكي
العادي يحصل على 12 جراماً فقط من الألياف في اليوم في حين أن النباتيين
يحصلون على ثلاثة أضعاف تلك الكمية في الأقل. وإن بدأنا في الحديث عن
فوائد الألياف، فسيأخذ منا هذا صفحات وصفحات فلأن الجسم لا يمتصها، تمر
الألياف عبر الجهاز الهضمي مضيفة كتلة إلى البراز جاعلة إياه يتحرك على
نحو أكثر سهولة. وهذه العملية لا تفيد فقط في الوقاية من الإمساك، فكلما
تحرك البراز وأي مواد أخرى يحويها سريعاً عبر القولون، انخفض احتمال
إحداثه تلفاً خلوياً قد يؤدي للإصابة بالسرطان.
فضلاً عن ذلك فإن أحد أنواع الألياف والذي
يسمى بالنوع القابل للذوبان يكون هلاماً في الأمعاء يساعد على منع
الكوليسترول والدهون من المرور خلال جدار الأمعاء ومنه إلى مجرى الدم.
في دراسة أجريت على أكثر من 43.000 رجل،
وجد الباحثون أن هؤلاء ممن أضافوا عشرة جرامات فقط من الألياف يومياً إلى
نظامهم الغذائي بنحو 25% من الكمية التي يحصل عليها النباتيون كل يوم
انخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب بما يتجاوز نسبة 35%.
وأخيراً فإن النظام الغذائي النباتي يمد
جسمك بكل العناصر الغذائية التي يحتاجها، بما في ذلك البروتين. وينسحب هذا
أيضاً على النباتيين المتشددين الذين لا يتناولون البيض أو الحليب أو
الأطعمة الحيوانية الأخرى مطلقاً. إن البروتينات التي توجد باللحوم كاملة،
أي أنها تحتوي على جميع الأحماض الأمينية التي يحتاجها الإنسان. وعلى
الجانب الآخر فإن البروتينات في البقول مثل الفول والفاصوليا واللوبيا
وفول الصويا والبازيلاء والعدس قد تكون منخفضة أحد الأحماض. ولكن لأن
البقول والغلال تحتوي على بعض هذه الأحماض، فإن تناول هذه الأطعمة على
مدار اليوم سوف يمدك بالتوازن المطلوب.
وبخلاف البروتين فإن هناك عنصراً غذائياً
على النباتيين المتشددين وضعه في الاعتبار وهو فيتامين ب12. إن الجسم
يستخدم هذا الفيتامين لتصنيع كرات الدم الحمراء وهو يوجد فقط بالأطعمة
الحيوانية. والأشخاص الذين لا يحصلون على كميات كافية من فيتامين ب12
يصابون بالضعف والإعياء، وهي حالة يطلق عليها الأطباء اسم فقر الدم
الخبيث.
ولكن بإمكان النباتيون الحصول على الكثير
من فيتامين ب12 بتناول الأطعمة المعززة به مثل الحبوب المعززة وحليب فول
الصويا المعزز أو الخميرة الغذائية المعزز بفيتامين ب12.
والخلاصة أن النباتيين يعمرون أكثر من
قرنائهم الذين يتناولون اللحوم ومشتقاتها والنباتيون أقل عرضة للإصابة
بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكتات المخية وداء السكري وسرطان الثدي
وسرطان القولون وعدم حدوث البقعة الشبكية المسببة للعمى ويتمتعون بأجسام
رشيقة وحيوية دائمة.