[size=7][size=21]السلام عليكـــم ورحـــــمة الله وبركاته
جبت لكم موضـــــــوع انشاء الله يفيدكـــــــــم
وكـــــــل عام وانتــــــــو بخيـــــــــــــــــر
مفطرات الصوم و مسائل القضاء
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
فالصوم : هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ؛
قال تعالى : "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل"( البقرة187).
ومفطرات الصوم أنواع :
الأول : الأكل والشرب . وهو مفطر بالإجماع للآية السابقة .
المفطر الثاني : ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أولاً : القطرة في الأنف ، التي يعلم أنها تصل
إلى الحلق ، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق
إلا أن تكون صائماً " أخرجه مسلم من حديث لقيط رضي الله عنه. فالحديث يفهم
أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف فقد أفطر .
ثانياً : مما يدخل في معنى الأكل والشرب :
المحاليل المغذية التي تصل إلى المعدة من طريق الفم ، أو الأنف . و كذا
الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب فتأخذ حكمها ، ولذلك فإن
المريض يبقى على المغذي أياماً دون أكل أو شرب ، و لا يشعر بجوع أو عطش .
ثالثاً : مما يدخل في معنى الأكل والشرب : حَقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية الأكل والشرب فكان بمعناه .
المفطر الثالث : الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .
المفطر الرابع : إنزال المني باختياره بمباشرة ،
أو استمناء ، ونحو ذلك ؛ لأنه من الشهوة التي أمر الصائم أن يدعها كما في
حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
يدع شهوته ، وأكله ، وشربه من أجلي " متفق عليه .
ومعلوم أن من فعل ذل ذلك عامداً مختاراً ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها .
أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع .
المفطر الخامس : التقيؤ عمداً ، وهو مفطر بالإجماع .
أما من غلبه القيء فلا شيء عليه . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن
استقاء فليقض " أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح ، وقال النووي في المجموع
(6/315) : " وإسناد أبي داود وغيرِه فيه إسناد الصحيح ". وصححه ابن تيمية
في حقيقة الصيام .
المفطر السادس : خروج دم الحيض والنفاس ، وهو مفطر بالإجماع .
فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار فقد أفطرت ، أو كانت
حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر لم ينعقد صومها ، و تكون مفطرة ذلك اليوم .
ومن الأدلة على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
ثانياً : أمور ليست من المفطرات . وهي :
أولاً : خروج الدم من الإنسان ، غير دم الحيض
والنفاس ؛ كالتبرع بالدم ، أو إخراجه للتحليل ، أو خروجِه بسبب رعاف أو جرح
، أو بالاستحاضة ، وغيرِ ذلك .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ، ولا دليل .
أما قياس خروج الدم للتبرع والتحليل و ما شابه ذلك على الحجامة فغير مسلم لأمرين :
الأول : أن الفطر بالحجامة أمر تعبدي محض لا يعقل معناه على التفصيل ، وما كان كذلك فإنه لا يجري فيه القياس .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبوداود
وغيره من حديث ثوبانرضي الله عنه وصححه جمع من الأئمة منهم الإمام أحمد
والبخاري .
فمما يؤكد أن العلة تعبدية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحجامة مفطرة
للحاجم أيضاً ، والدم لا يدخل جوف الحاجم ، ولذلك فإن من يرى التبرع بالدم
مفطراً ، فإنه يجعل الفطر خاص بالمتبرع دون الطبيب أو الممرض الذي يقوم
بسحب الدم .
وما ذكره بعض أهل العلم في علة الفطر في الحجامة على الحاجم والمحجوم ، فهي
محاولة لمعرفة الحكمة في ذلك ولا نستطيع الجزم بما ذكروه لعدم الدليل .
ثانياً : أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : "
أفطر الحاجم والمحجوم " . منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن
النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم " أخرجه البخاري . والدليل على
كونه ناسخاً حديثان:
الأول : حديث أنس رضي الله عنه قال : " أول ما
كرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم
بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم ". أخرجه الدارقطني ،
وصححه ، وأقره البيهقي في السنن الكبرى ، وصححه النووي .
الثاني : حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
" رخص رسول الله في القبلة للصائم ، والحجامة " أخرجه الطبراني والدارقطني
، وقال ابن حزم إسناده صحيح ، وصححه من المعاصرين الألباني رحمه الله .
والرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة .
والقاعدة أنه إذا وجد حديثان متعارضان ، ولم يمكن الجمع بينهما ،لم يجز
إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا إذا جهل التاريخ ، وهنا قد
علمنا المتقدم من المتأخر فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم ، كيف وحديثا أنس
وأبي سعيد صريحان في نسخ الفطر بالحجامة .
ثانياً من الأمور غير المفطرة : كثير من الوسائل العلاجية ، وقد صدر فيها
قرار من مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته العاشرة 1418هـ ، وأنقل هنا
أكثر هذا القرار :
" قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي ما يلي :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :
1. قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف ، إذا اجتنب ما نفذ إلى الحلق .
2. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية ، وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3. ما يدخل المهبل من تحاميل ، أو غسول ، أو منظار .
4. إدخال المنظار ، أو اللولب ، ونحوهما إلى الرحم .
5. ما يدخل الإحليل ؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر و الأنثى ، أو منظار ، أو دواء ، أو محلول لغسل المثانة .
6. حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7. المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
8. غاز الأكسجين .
9. غازات التخدير ، ما لم يعط المريضُ سوائلَ مغذية .
10. ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات ، والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية .
11. إدخال (أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصويرِ ، أو علاجِ أوعية القلب ، أ, غيره من الأعضاء .
12. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء ، أو إجراء عملية جراحية عليها .
13. أخذ عينات من الكبد ، أو غيره من الأعضاء ، مالم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
14. دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
ثانياً : ينبغي على الطبيب المسلم نصحُ المريض
بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة
فيما سبق " . انتهى قرار المجمع الفقهي .
والدليل على أن ما سبق ليس من المفطرات ؛ أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في
معناهما ، والأصل عدم كون الشيء مفطراً إلا إذا دل الدليل على اعتباره
مفطراً ، ولا دليل .
ويلحق بما مضى وبنفس التعليل : مداواة الجروح الغائرة ، والكحل في العين .
ثالثاً : من أفطر ناسياً أو مخطئاً .
ومثال الخطأ : من ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس قد
غربت فأكل وهي لم تغرب . فصومه صحيح و لا شيء عليه ، على القول الراجح من
أقوال العلماء .
والدليل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : "
أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ، ثم طلعت الشمس " أخرجه
البخاري .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه حقيقةُ الصيام : أنه لم ينقل أنهم
قضوا ذلك اليوم ، ولو أمروا بقضائه لنقل إلينا كما نقل فطرهم .
ودليل الناسي حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق
عليه .
رابعاً : مسائل القضاء .
المسألة الأولى : الحائض والنفساء يجب عليهما القضاء بالإجماع .
فعن معاذة ـ رحمها الله ـ قالت : " سألت عائشة رضي الله عنها فقلتُ : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟.
قالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل .
فقالت : " كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة "أخرجه الشيخان ، واللفظ لمسلم .
وقولها : ( أحرورية أنت ؟ ) فإنه يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج حروري ، نسبة
إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أولُ اجتماع للخوارج للخروج على
علي بها ، فاشتهروا بالنسبة لها .( انظر الفتح 1/502) .
المسألة الثانية : المسافر يجوز له الفطر ، ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام ،
ويجب عليه القضاء إذا أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن كان مريضاً أو على سفر
فعدة من أيام أخر ، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (
البقرة158).
وعن حمزةَ بنِ عمروٍ الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : " يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " أخرجه مسلم .
المسألة الثالثة : من أفطر في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ، وعليه التوبة إلى الله ، ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح ، وهو قول الجمهور .
والدليل على وجوب القضاء عليه حديثان :
الأول : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ،
ومن استقاء فليقض " حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره كما سبق.
الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام للمجامع في نهار رمضان
بعد أن ذكر له الكفارة : " وصم يوماً واستغفر الله " وفي رواية : " وصم
يوماً مكانه " أخرجه مالك وأبوداود وابن ماجة وقال النووي في المجموع : "
إسناد رواية أبي داود هذه جيد " . وصححه من المعاصرين أحمد شاكر في شرح
المسند (6/147) والألباني في الإرواء (4/90) .رحمهم الله.
المسألة الرابعة : إذا كان الفطر متعمَّداً
بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ؛ لحديث أبي هريرة في
الصحيحين .
المسألة الخامسة : المريض الذي يشق عليه الصوم
بسبب المرض ، أو يحتاج إلى تناول علاج ، فإنه يجوز له أن يفطر ، بل قد يجب
إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما أفطر ؛ لقوله تعالى : " ومن
كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ".
ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما فإنهما مريضتان ، أو في حكم المريض .
المسألة السادسة في مسائل القضاء : العاجز عن الصيام .
والعجز نوعان :
النوع الأول : عجز ( مؤقت ) وهو الذي يرجى ذهابه ؛
كمن أصيب بمرض لا يستطيع معه الصيام لمدة سنتين أو ثلاث أو أربع ، وبعد
ذلك يغلب على الظن شفاؤه و قدرته على الصيام ، وهذا الذي يسميه الفقهاء
بالمريض الذي يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصيام ، ويجب عليه القضاء إذا
شُفي من مرضه ، ولو كان ذلك بعد عدة سنوات ، فحكمه حكم المريض .
النوع الثاني : عجز ( دائم ) وهو الذي لا يرجى
ذهابه ؛ كالشيخ الكبير ، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كمن يحتاج إلى أخذ
علاج في النهار طيلة حياته . فهذا لا يجب عليه الصوم ، ولا يستطيع القضاء ،
وإنما يجب عليه : أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً .
فعن عطاء ـ رحمه الله ـ سمع ابن عباس رضي الله عنما يقرأ : " وعلى الذين
يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين " قال ابن عباس : " ليست بمنسوخة ، هو الشيخ
الكبير ، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم
مسكيناً " أخرجه البخاري .
المسألة السابعة : الشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز : لا يجب عليهما الصيام ، ولا الإطعام لسقوط التكليف [/size][/size]